الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قوله: { فَٱصْبِرْ }: الفاءُ عاطفةٌ هذه الجملةَ على ما تقدَّمَ، والسببيَّةُ فيها ظاهرةٌ.

قوله: " من الرسُل " يجوزُ أَنْ تكونَ تبعيضيَّةً، وعلى هذا فالرسلُ أولو عَزْمٍ وغيرُ أُولي عَزْمٍ. ويجوز أَنْ تكونَ للبيانِ، فكلُّهم على هذا أُوْلو عَزْم.

قوله: " بلاغٌ " العامَّةُ على رَفْعِه. وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ، فقدَّره بعضُهم: تلك الساعةُ بلاغٌ، لدلالةِ قولِه: { إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } وقيل: تقديرُه هذا أي: القرآن والشرعُ بلاغٌ. والثاني: أنَّه مبتدأٌ، والخبرُ قولُه: " لهم " الواقعُ بعد قولِه: " ولا تَسْتَعْجِلْ " أي: لهم بلاغٌ، فيُوْقَفُ على " فلا تَسْتعجل ". وهو ضعيفٌ جداً للفصلِ بالجملةِ التشبيهية، لأنَّ الظاهرَ تَعَلُّقُ " لهم " بالاستعجال، فهو يُشْبِه التهيئةَ والقطعَ. وقرأ زيد بن علي والحسن وعيسى " بلاغاً " نصباً على المصدرِ أي: بَلَغَ بلاغاً، ويؤيِّده قراءةُ أبي مجلز " بَلِّغْ " أمراً. وقرأ أيضاً " بَلَغَ " فعلاً ماضياً.

ويُؤْخَذُ مِنْ كلامِ مكيّ أنه يجوزُ نصبُه نعتاً لـ " ساعةً " فإنه قال: " ولو قُرِئ " بلاغاً " بالنصبِ على المصدر أو على النعتِ لـ " ساعةً " جاز ". قلت: قد قُرِئ به وكأنه لم يَطَّلِعْ على ذلك.

وقرأ " الحسن " أيضاً " بلاغ " بالجرِّ. وخُرِّجَ على الوصف لـ " نهار " على حَذْفِ مضافٍ أي: مِنْ نَهارٍ ذي بلاغ، أو وُصِف الزمانُ بالبلاغ مبالغةً.

قوله: " يُهْلَكُ " العامَّةُ على بنائِه للمفعولِ. وابن محيصن " يَهْلِك " بفتح الياء وكسرِ اللام مبنياً للفاعل. وعنه أيضاً فتحُ اللامِ وهي لغةٌ. والماضي هلِكَ بالكسر. قال ابن جني: " كلٌ مرغوبٌ عنها ". وزيد بن ثابت بضمِّ الياءِ وكسرِ اللام/ والفاعلُ اللَّهُ تعالى. " القومَ الفاسقين " نصباً على المفعولِ به. و " نُهْلك " بالنون ونصب " القوم ".