الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً }: في هاء " رَأَوْه " قولان، أحدهما: أنه عائدٌ على " ما تَعِدُنا ". والثاني: أنه ضميرٌ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُه " عارضاً ": إمَّا تمييزاً أو حالاً، قالهما الزمخشريُّ. ورَدَّه الشيخُ: بأنَّ التمييزَ المفسِّرَ للضميرِ محصورٌ في باب: رُبَّ وفي نِعْمَ وبِئْس، وبأنَّ الحالَ لم يَعْهَدُوها أَنْ تُوَضِّحَ الضميرَ قبلها، وأنَّ النَّحْويين لا يَعْرفون ذلك.

قوله: " مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهم " صفةٌ لـ " عارِضاً " وإضافتُه غيرُ مَحْضةٍ، فمِنْ ثَمَّ ساغ أَنْ يكونَ نعتاً لنكرةٍ وكذلك " مُمْطِرُنا " وقع نعتاً لـ " عارِض " ومثله:
4043 ـ يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يَطْلُبُكُمْ   لاقى مباعَدَةً منكم وحِرْمانا
والعارِضُ: المُعْتَرِضُ من السحاب في الجوِّ. قال:
4044 ـ يا مَنْ رَأَى عارِضاً أَرِقْتُ له   بين ذراعَيْ وجَبْهَةِ الأَسَدِ
وقد تقدَّم: أَنَّ أَوْدِيَة جمعُ " وادٍ " ، وأنَّ أَفْعِلة شذَّتْ جمعاً لـ فاعِل في ألفاظٍ: كوادٍ وأَوْدِيَة، ونادٍ وأَنْدِية، وجائِز وأَجْوِزة.

قوله: " ريحٌ " يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هو ريحٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " هو ". وقُرِئ " ما استُعْجِلْتُمْ " مبنياً للمفعول " وفيها عذابٌ " صفةٌ لـ " ريحٌ " وكذلك " تُدَمِّرُ ". وقُرِئ { يَدْمُرُ كُلَّ شَيْءٍ } بالياءِ من تحتُ وسكونِ الدال وضمِّ الميم " كلُّ " بالرفع على الفاعلية أي: يهلك كلُّ شيء. وزيد بن علي كذلك إلاَّ أنه بالتاءِ مِنْ فوقُ ونصبِ " كلَّ " ، والفاعلُ ضميرُ الريح، وعلى هذا فيكون دَمَّر الثلاثي لازِماً ومتعدياً.