الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله: { وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ }: فيه وجهان، أظهرهما: أنه معطوفٌ على " خَلْقِكم " المجرورِ بـ " في " والتقديرُ: وفي ما يَبُثُّ. والثاني: أنه معطوفٌ على الضميرِ المخفوضِ بالخَلْق، وذلك على مذهبِ مَنْ يرى العطفَ على الضميرِ المجرورِ دونَ إعادةِ الجارِّ واستقبحه الزمخشريُّ وإنْ أُكِّد نحو: " مررتُ بك أنت وزيدٍ " يُشير بذلك إلى مذهب الجرميِّ فإنَّه يقول: إن أُكِّد جازَ، وإلاَّ فلا، فقولُه مذهبٌ ثالثٌ.

قوله: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } و { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } قرأ " آياتٍ " بالكسر في الموضعَيْن الأخوَان، والباقون برفعهما. ولا خلافَ في كسرِ الأولى لأنها اسمُ " إنَّ ". فأمَّا { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } بالكسر فيجوزُ فيها وجهان، أحدهما: أنها معطوفةٌ على اسم " إنَّ " ، والخبرُ قولُه: " وفي خَلْقِكم ". كأنه قيل: وإنَّ في خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِنْ دابة آياتٍ. والثاني: أَنْ تكونَ كُرِّرَتْ تأكيداً لآيات الأُولى، ويكونُ " في خَلْقكم " معطوفاً على " في السماوات " كُرِّر معه حرفُ الجَرِّ توكيداً. ونظيرُه أَنْ تقولَ: " إنَّ في بيتك زيداً وفي السوق زيداً " فزيداً الثاني تأكيدٌ للأول، كأنك قلت: إنَّ زيداً زيداً في بيتك وفي السوق وليس في هذه عطفٌ على معمولَيْ عاملَيْن البتةَ.

وقد وَهِم أبو البقاء فجعلها مِنْ ذلك فقال: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } يُقرأ بكسر التاءِ، وفيه وجهان، أحدهما: أنَّ " إنَّ " مضمرةٌ حُذِفَتْ لدلالة " إنَّ " الأُولى عليها، وليسَتْ " آيات " معطوفةً على " آيات " الأولى لِما فيه من العطفِ على معمولَيْ عامليْن. والثاني: أَنْ تكونَ كُرِّرَتْ للتأكيد لأنها مِنْ لفظ " آيات " الأُوْلى، وإعرابُها كقولِك: " إن بثوبك دماً وبثوبِ زيد دماً " فـ " دم " الثاني مكررٌ؛ لأنَّك مُسْتغنٍ عن ذِكْرِه " انتهى.

فقوله: " وليسَتْ معطوفةً على آياتِ الأولى لِما فيه من العطفِ على عامِلَيْن " وَهَمٌ؛ أين معمولُ العاملِ الآخر؟ وكأنه توهَّمَ أنَّ " في " ساقطةٌ مِنْ قولِه: " وفي خَلْقِكم " أو اختلطَتْ عليه { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } بهذه؛ لأنَّ تَيْكَ فيها ما يُوْهِمُ العطفَ على عامِلَيْن وقد ذكره هو أيضاً.

وأمَّا الرفعُ فمِنْ وجهَيْن أيضاً، أحدهما: أَنْ يكونَ " في خَلْقِكم " خبراً مقدَّماً، و " آياتٌ " مبتدأً مؤخراً، وهي جملةٌ معطوفةٌ على جملة مؤكدةٍ. بـ " إنَّ ". والثاني: أَنْ تكون معطوفةً على " آيات " الأولى باعتبار المحلِّ عند مَنْ يُجيزُ ذلك، لا سيما عند مَنْ يقولُ: إنه يجوز ذلك بعد الخبرِ بإجماعٍ.

وأمَّا قولُه: { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } الآية فقد عَرَفْتَ أنَّ الأخَوَيْن يقرآن " آيات " بالكسرِ، وهي تحتاج إلى إيضاحٍ، فإن الناسَ قد تكلَّموا فيها كلاماً كثيراً، وخرَّجوها على أوجهٍ مختلفةٍ، وبها استدلَّ على جوازِ العطفِ على عاملين.

السابقالتالي
2 3 4