الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله: { جَمِيعاً مِّنْهُ }: " جميعاً " حالٌ مِنْ { مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أو توكيدٌ. وقد عدَّها ابنُ مالكٍ في ألفاظِه. و " منه " يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً لـ " جميعاً " ، وأَنْ يتعلَّقَ بـ " سَخَّر " أي: هو صادرٌ مِنْ جهته ومِنْ عندِه. وجَوَّزَ الزمخشريُّ في " منه " أَنْ يكونَ خبرَ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هي جميعاً منه، وأَنْ تكونَ { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } مبتدأً، و " منه " خبرَه. قال الشيخ: " وهذان لا يجوزان إلاَّ على رَأْيِ الأخفش مِنْ حيث إنَّ الحالَ تَقدَّمَتْ بمعنى جميعاً، فقُدِّمَتْ على عاملِها المعنويِّ، يعني الجارَّ، فهي نظيرُ: " زيد قائماً في الدار ". والعامَّةُ على " مِنْه " جارّاً ومجروراً. [وقرأ] ابن عباس بكسرِ الميمِ وتشديدِ النونِ ونصبِ التاءِ، جعله مصدراً مِنْ: مَنَّ يَمُنَّ مِنَّةً، فانتصابُه عنده على المصدرِ المؤكِّد: إمَّا بعاملٍ مضمرٍ، وإمَّا بسَخَّر؛ لأنَّه بمعناه. قال أبو حاتم: " سَندُ هذه القراءةِ إلى ابنِ عباسِ مظلمٌ ". قلت: قد رُوِيَتْ أيضاً عن جماعة جِلَّةٍ غيرِ ابنِ عباس، فنقلها ابنُ خالويه عنه وعن عبيد بن عمير، ونقلها صاحبُ " اللوامح " وابنُ جني، عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو والجحدري وعبد الله بن عبيد بن عمير.

وقرأ مَسْلمة بن محارب كذلك، إلاَّ أنَّه رفع التاءَ جَعَلَها خبرَ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هي منه. وقرأ أيضاً في روايةٍ أخرى بفتحِ الميم وتشديدِ النون وهاءِ كنايةٍ مضمومة، جعله مصدراً مضافاً لضمير الله تعالى.

ورَفْعُه من وجهين، أحدهما بالفاعلية بـ " سَخَّر " أي: سَخَّر لكم هذه الأشياءَ مَنُّه عليكم. والثاني: أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هو، أو ذلك مَنُّه عليكم.