الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ }

قوله: { أَمْراً }: فيه اثنا عشر وجهاً، أحدُها: أَنْ ينتصِبَ حالاً مِنْ فاعل " أَنْزَلْناه ". الثاني: أنه حالٌ مِنْ مفعولِه أي: أنزلناه آمِرِيْن، أو مَأْموراً به. الثالث: أَنْ يكونَ مفعولاً له، وناصبُه: إمَّا " أَنْزَلْناه " وإمَّا " مُنْذرِين " وإمَّا " يُفْرَقُ ". الرابع: أنه مصدرٌ مِنْ معنى يُفْرَق أي: فَرْقاً. الخامس: أنه مصدرٌ لـ " أَمَرْنا " محذوفاً. السادس: أَنْ يكونَ " يُفْرَقُ " بمعنى يَأْمُر. والفرقُ بين هذا وما تقدَّم: أنَّك رَدَدْتَ في هذا بالعاملِ إلى المصدرِ وفيما تقدَّم بالعكس. السابع: أنَّه حالٌ مِنْ " كُلُّ ". الثامن: أنه حالٌ مِنْ " أَمْرٍ " وجاز ذلك لأنه وُصِفَ. إلاَّ أنَّ فيه شيئين: مجيءَ الحالِ من المضاف إليه في غيرِ المواضع المذكورة. والثاني: أنها مؤكدةٌ. التاسع: أنه مصدرٌ لـ " أَنْزَل " أي: إنَّا أَنْزَلْناه إنزالاً، قاله الأخفش. العاشر: أنَّه مصدرٌ، لكن بتأويل العاملِ فيه إلى معناه أي: أَمَرْنا به أَمْراً بسببِ الإِنزال، كما قالوا ذلك في وَجْهي فيها يُفْرَقُ فَرْقاً أو يَنْزِل إنزالاً. الحادي عشر: أنه منصوبٌ على الاختصاص، قاله الزمخشري، ولا يَعْني بذلك الاختصاصَ الاصطلاحيَّ فإنه لا يكون نكرةً. الثاني عشر: أَنْ يكونَ حالاً من الضميرِ في " حكيم ". الثالث عشر: أَنْ ينتصِبَ مفعولاً به بـ " مُنْذِرين " كقولِه:لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً } [الكهف: 2] ويكونُ المفعولُ الأول محذوفاً أي: مُنْذِرين الناسَ أمراً. والحاصلُ أنَّ انتصابَه يَرْجِعُ إلى أربعة أشياء: المفعولِ به، والمفعولِ له، والمصدريةِ، والحاليةِ، وإنما التكثيرُ بحَسبِ المحالِّ، وقد عَرَفْتَها بما قَدَّمْتُه لك.

وقرأ زيد بن علي " أَمْرٌ " بالرفع. قال الزمخشري: " وهي تُقَوِّي النصبَ على الاختصاصِ ".

قوله: " مِنْ عِنْدِنا " يجوز أَنْ يتعلَّق بـ " يُفْرَقُ " أي: مِنْ جهتِنا، وهي لابتداءِ الغاية مجازاً. ويجوز أَنْ يكونَ صفةً لـ أَمْراً.

قوله: { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } جوابٌ ثالثٌ أو مستأنفٌ، أو بدلٌ من قوله: { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }.