الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }

قوله:/ { أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ }: " أَنْ " ومنصوبُها اسمُ كان وليس " خبرَ " " ما ". وقال أبو البقاء: " أَنْ والفعلُ في موضع رفعٍ على الابتداءِ وما قبلَه الخبرُ، أو فاعلٌ بالجارِّ لاعتمادِه على حرفِ النفي " وكأنه [وَهِمَ في التلاوةِ، فزعَم أنَّ القرآنَ: وما لبشَرٍ أَنْ يُكَلِّمه] مع أنَّه يمكنُ الجوابُ عنه بتكلُّفٍ. و " إلاَّ وَحْياً " يجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً أي: إلاَّ كلامَ وَحْيٍ. وقال أبو البقاء: " استثناءٌ منقطعٌ؛ لأنَّ الوَحْيَ ليس من جنس الكلام " وفيه نظرٌ لأنَّ ظاهرَه أنه مُفرَّغٌ، والمفرَّغُ لا يُوْصَفُ بذلك. ويجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً في موضعِ الحال.

قوله: " أو يُرْسِل " قرأ نافعٌ " يُرْسِلُ " برفع اللامِ، وكذلك " فيوحِيْ " فسَكَنَتْ ياؤُه. والباقون بنصبهما. فأمَّا القراءةُ الأولى ففيها ثلاثة أوجهٍ، أحدها: أنَّه رفعٌ على إضمارِ مبتدأ أي: أو هو يُرْسِلُ. الثاني: أنه عطفٌ على " وَحْياً " على أنَّه حالٌ؛ لأنَّ وَحْياً في تقديرِ الحال أيضاً، فكأنه قال: إلاَّ مُوْحِياً أو مرسِلاً. الثالث: أَنْ يُعْطَفَ على ما يتعلَّقُ به " من وراءه " ، إذ تقديرُه: أو يُسْمِعُ مِنْ وراءِ حجاب، و " وَحْياً " في موضعِ الحال، عُطِف عليه ذلك المقدَّرُ المعطوفُ عليه " أَوْ يُرْسِلُ ". والتقدير: إلاَّ مُوْحِياً أو مُسْمِعاً مِنْ وراءِ حجابٍ، أو مُرْسِلاً.

وأمَّا الثانيةُ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يُعْطَفَ على المضمرِ الذي يتعلَّقُ به { مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } إذ تقديرُه: أو يُكَلِّمه مِنْ وراءِ حجابٍ. وهذا الفعلُ المقدَّر معطوفٌ على " وَحْياً " والمعنى: إلاَّ بوَحْي أو إسماعٍ مِنْ وراءِ حجاب أو إرسالِ رسولٍ. ولا يجوزُ أَنْ يُعَطفَ على " يكلِّمَه " لفسادِ المعنى. قلت: إذ يَصيرُ التقديرُ: وما كان لبشَرٍ أن يُرْسِلَ اللَّهُ رسولاً، فَيَفْسُدُ لَفْظاً ومعنى. وقال مكي: " لأنَّه يَلْزَم منه نَفْيُ الرسلِ ونفيُ المُرْسَلِ إليهم ".

الثاني: أَنْ يُنْصَبَ بـ " أنْ " مضمرةً، وتكونَ هي وما نَصَبَتْه معطوفَيْن على " وَحْياً " و " وَحْياً " حالٌ، فيكونَ هنا أيضاً [حالاً: والتقدير: إلاَّ مُوْحِياً أو مُرْسِلاً]. وقال الزمخشري: " وَحْياً وأَنْ يُرْسِلَ مصدران واقعان موقعَ الحال؛ لأنَّ أَنْ يُرْسِلَ في معنى إرسالاً. و { مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } ظرفٌ واقعٌ موقعَ الحالِ أيضاً، كقوله:وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } [آل عمران: 191]. والتقدير: وما صَحَّ أَنْ يُكَلَّم أحداً إلاَّ مُوْحياً أو مُسْمِعاً مِنْ وراءِ حجاب أو مُرسِلاً ". وقد رَدَّ عليه الشيخُ: بأنَّ وقوعَ المصدرِ موقعَ الحالِ غيرُ منقاسٍ، وإنما قاسَ منه المبردُ ما كان نوعاً للفعلِ فيجوزُ: " أتيتُه رَكْضاً " ويمنعُ " أَتَيْتُه بكاءً " أي: باكياً.

السابقالتالي
2