الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }

قوله: { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ }: نَسَقٌ على " الذين " الأولى. وقال أبو البقاء: " الذين يَجْتَنبون في موضعِ جرّ بدلاً مِنْ " للذين آمنوا ". ويجوزُ أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ بإضمار أعني، أو في موضع رفعٍ على تقدير: هم ". وهذا وهمٌ منه في التلاوةِ كأنه اعتقد أنَّ القرآن { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ } فبنى عليه ثلاثةَ الأوجهِ بناءً فاسداً.

قوله: " كبائرَ " قرأ الأخوان هنا وفي النجم " كبيرَ الإِثم " بالإِفراد. والباقون " كبائرَ " بالجمع في السورتَيْن. والمفردُ هنا في معنى الجمع، والرسمُ يحتمل القراءتَيْن.

قوله: { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ } هذه " إذا " منصوبةٌ بـ " يَغْفِرُون " ، و " يَغْفِرُون " خبرٌ لـ " هم " ، والجملةُ بأَسْرِها عطفٌ على الصلة، وهي " يَجْتَنِبون " والتقدير: والذين يَجْتَنِبون وهم يَغْفِرون، عَطَفَ اسميةً على فعليةٍ. ويجوزُ أَنْ يكون " هم " توكيداً للفاعل في قوله: " غَضِبوا " ، وعلى هذا فيَغْفِرون جوابُ الشرطِ. وقال أبو البقاء: " هم مبتدأٌ ويَغْفِرون الخبرُ، والجملةُ جوابُ إذا " وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه لو كان جواباً لـ " إذا " لاقترن بالفاء. تقول: " إذا جاء زيدٌ فعمروٌ منطلق " ولا يجوز: " عمروٌ ينطلق " وقيل: " هم " مرفوع بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره " يَغْفِرون " بعده، ولَمَّا حُذِفَ الفعلُ انفصلَ الضميرُ ولم يَسْتَبْعِدْه الشيخُ. وقال: " ينبغي أَنْ يجوزَ ذلك في مذهبِ سيبويه؛ لأنه أجازَه في الأداةِ الجازمةِ، تقول: " إنْ يَنْطَلِقْ، زيدٌ يَنْطَلِق " تقديرُه: ينطلِقْ زيدٌ ينطلِقْ. فـ " ينطلقْ " واقعٌ جواباً، ومع ذلك فَسَّر الفعلَ فكذلك هذا، وأيضاً فذلك/ جائزٌ في فعلِ الشرطِ بعدَها نحو:إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [الانشقاق: 1] فليَجُزْ في جوابِها أيضاً ".