الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: { كَذَلِكَ يُوحِيۤ }: القُراء على " يُوْحي " بالياء مِنْ أسفلَ مبنياً للفاعلِ، وهو اللَّهُ تعالى. " والعزيزُ الحكيمُ " نعتان. والكافُ منصوبةُ المحلِّ: إمَّا نعتاً لمصدرٍ، أو حالاً مِنْ ضميرِه أي: يوحي إيحاءً مثلَ ذلك الإِيحاءِ. وقرأ ابنُ كثير - وتُروى عن أبي عمروٍ - " يُوْحَى " بفتحِ الحاءِ مبنياً للمفعول. وفي القائمِ مَقامَ الفاعلِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: ضميرٌ مستترٌ يعود على " كذلك " لأنه مبتدأٌ، والتقدير: مثلُ ذلك الإِيحاءِ يُوْحَى هو إليك. فمثلُ ذلك مبتدأٌ، ويُوْحى هو إليك خبرُه. الثاني: أنَّ القائمَ مقامَ الفاعلِ " إليك " ، والكافُ منصوبُ المحلِّ على الوجهَيْن المتقدِّمَيْن. الثالث: أنَّ القائمَ [مَقامَه] الجملةُ مِنْ قولِه: " اللَّهُ العزيزُ " أي: يُوْحَى إليك هذا اللفظُ. وأصولُ البَصْريين لا تساعِدُ عليه؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونُ فاعلةً ولا قائمةً مقامَه.

وقرأ أبو حيوةَ والأعمشُ وأبانٌ " نُوْحي " بالنون، وهي موافقةٌ للعامَّةِ. ويُحتمل أَنْ تكونَ الجملةُ مِنْ قولِه: " اللَّهُ العزيزُ " منصوبةَ المحلِّ مفعولةً بـ " نُوْحي " أي: نُوحي إليك هذا اللفظَ. إلاَّ أنَّ فيه حكايةَ الجملِ بغيرِ القولِ الصريحِ. و " نُوْحي " على اختلافِ قراءاتِه يجوزُ أَنْ يكونَ على بابه من الحالِ أو الاستقبالِ، فيتعلَّقَ قولُه: { وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } بمحذوفٍ لتعذُّرِ ذلك، تقديرُه: وأوحَى إلى الذين، وأَنْ يكونَ بمعنى الماضي. وجيْءَ به على صورةِ المضارعِ لغَرَضٍ وهو تصويرُ الحالِ.

قوله: " اللَّهُ العزيزُ " يجوزُ أَنْ يرتَفِعَ بالفاعليةِ في قراءةِ العامَّةِ، وأَنْ يرتفعَ بفعلٍ مضمرٍ في قراءةِ ابنِ كثير، كأنه قيل: مَنْ يُوْحيه؟ فقيل: اللَّه، كـ { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [النور: 36]، وقوله:
3964 ـ لِيُبْكَ يزيدُ ضارِعٌ..............   ........................
وقد مرَّ، وأَنْ يرتفعَ بالابتداءِ، وما بعدَه خبرُه، والجملةُ قائمةٌ مَقامَ الفاعلِ على ما مَرَّ، وأَنْ يكون " العزيزُ الحكيمُ " خبَريْن أو نعتَيْن. والجملةُ مِنْ قولِه: { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } خبرٌ أولُ أو ثانٍ على حَسَبِ ما تقدَّم في " العزيزُ الحكيمُ ".

وجوَّز أبو البقاءِ أَنْ يكونَ " العزيز " مبتدأً و " الحكيمُ " خبرَه، أو نعتَه، و { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } خبرَه. وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهرُ تَبَعيَّتُهما للجلالة. وأنت إذا قلتَ: " جاء زيدٌ العاقلُ الفاضلُ " لا تجعلُ العاقل مرفوعاً على الابتداء.