الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

قوله: { فَاطِرُ }: العامَّةُ على رفعِه خبراً لـ " ذلكم " أو نعتاً لـ " ربِّي " على تَمَحُّضِ إضافتِه. و " عليه توكَّلْتُ " معترضٌ على هذا، أو مبتدأ، وخبرُه " جَعَلَ لكم " أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هو. وزيد بن علي: " فاطرِ " بالجرِّ نعتاً للجلالةِ في قوله: " إلى اللَّهِ " ، وما بينهما اعتراضٌ أو بدلاً مِن الهاء في " عليه " أو " إليه ".

وقال مكيٌّ: " وأجاز الكسائيُّ النصبَ على النداء ". وقال غيرُه: على المدح. ويجوزُ في الكلامِ الخفضُ على البدلِ من الهاءِ في " عليه ". قلت: قد قرأ بالخفضِ زيدُ بن علي. وأمَّا نصبُه فلم أحفَظْه قراءةً.

قوله: " يَذْرَؤُكُمْ فيه " يجوزُ أَنْ تكونَ " في " على بابِها. والمعنى: يُكَثِّرُكُمْ في هذا التدبير، وهو أنْ جَعَلَ للناسِ والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذُكورِهم وإناثِهم التوالُدُ. والضميرُ في " يَذرَؤُكم " للمخاطبين والأنعامِ. وغَلَّب العُقلاءَ على غيرِهم الغُيَّبِ. قال الزمخشري: " وهي/ من الأحكامِ ذاتِ العلَّتَيْن ". قال الشيخ: " وهو اصطلاحٌ غريبٌ، ويعني: أنَّ الخطابَ يُغَلَّبُ على الغَيْبة إذا اجتمعا ". ثم قال الزمخشريُّ: " فإنْ قلت: ما معنى يَذْرَؤُكم في هذا التدبيرِ؟ وهلا قيل يَذْرَؤُكم به. قلت: جُعِل هذا التدبيرُ كالمَنْبَع والمَعدِنِ للبَثِّ والتكثيرِ. ألا تَراك تقول: للحَيَوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى:وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ } [البقرة: 179]. والثاني: أنها للسببية كالباء أي: يُكَثِّرُكم بسبِبه. والضميرُ يعودُ للجَعْلِ أو للمخلوقِ ".

قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } في هذه الآيةِ أوجهٌ، أحدُها - وهو المشهورُ عند المُعْرِبين - أنَّ الكافَ زائدةٌ في خبرِ ليس، و " شيءٌ " اسمُها. والتقدير: ليس شيءٌ مثلَه. قالوا: ولولا ادِّعاءُ زيادتِها لَلَزِمَ أَنْ يكونَ له مِثْلٌ. وهو مُحالٌ؛ إذ يَصيرُ التقديرُ على أصالةِ الكاف: ليس مثلَ مثلِه شيءٌ، فنفى المماثلةَ عن مثلِه، فثبَتَ أنَّ له مثْلاً، لا مثلَ لذلك المَثَلِ، وهذا مُحالٌ تَعالى اللَّه عن ذلك.

وقال أبو البقاء: " ولو لم تكنْ زائدةً لأَفْضَى ذلك إلى المُحال؛ إذ كان يكونُ المعنى: أنَّ له مِثْلاً وليس لمثلِه مِثْلٌ. وفي ذلك تناقضٌ؛ لأنَّه إذا كان له مِثْلٌ فلِمِثْله مِثْلٌ وهو هو، مع أنَّ إثباتَ المِثْلِ لله تعالى مُحالٌ ". قلت: وهذه طريقةٌ غريبةٌ في تقريرِ الزيادةِ، وهي طريقةٌ حسنةٌ فيها حُسْنُ صناعةٍ.

والثاني: أنَّ مِثْلاً هي الزائدةُ كزيادتِها في قوله تعالى:بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ } [البقرة: 137]. قال الطبري: " كما زِيْدَتِ الكافُ في قوله:
3966 ـ وصَالياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ   

السابقالتالي
2