الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: في خبرها ستةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مذكورٌ وهو قولُه: " أولئك ينادَوْن ". وقد سُئِل بلال بن أبي بردة عن ذلك في مَحْكِيَّتِه فقال: لا أجدُ لها نفاذاً. فقال له أبو عمرو بن العلاء: إنَّه منك لقَريبٌ، أولئك ينادَوْن. وقد اسْتُبْعِدَ هذا من وجهَيْن، أحدُهما: كثرةُ الفواصلِ. والثاني: تقدُّمُ مَنْ تَصِحُّ الإِشارةُ إليه بقوله: " أولئك " ، وهو قولُه: { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، واسمُ الإِشارةِ يعودُ على أقربِ مذكورٍ.

والثاني: أنه محذوفٌ لفَهْمِ المعنى وقُدِّر: مُعَذَّبون، أو مُهْلَكون، أو معانِدون. وقال الكسائي: " سَدَّ مَسَدَّه ما تقدَّم من الكلامِ قبلَ " إنَّ " وهو قولُه: { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ }. قلت: يعني في الدلالةِ عليه والتقديرُ: يُخَلَّدون في النارِ. وسأل عيسى بن عمر عمرَو بن عبيدٍ عن ذلك فقال: معناه في التفسير: إنَّ الذين كفروا بالذكْرِ لَمَّا جاءهم كفروا به. فقدَّر الخبرَ مِنْ جنسِ الصلةِ. وفيه نظرٌ؛ من حيث اتحادُ الخبرِ والمخبرِ عنه في المعنى من غيرِ زيادةِ فائدةٍ نحو: " سيدُ الجاريةِ مالكُها ".

الثالث: أنَّ " الذين " الثانيةَ بدلٌ مِنْ " إنَّ الذين " الأولى، والمحكومُ به على البدلِ محكومٌ به على المبدلِ منه فيلزَمُ أَنْ يكونَ الخبرُ { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ }. وهو منتزَعٌ من كلامِ الزمخشري.

الرابع: أنَّ الخبرَ قولُه: { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ } والعائدُ محذوفٌ تقديره: لا يأتيه الباطلُ منهم نحو: السَّمْنُ مَنَوان بدرهم أي: مَنَوان منه. أو تكون أل عوضاً من الضمير في رأيِ الكوفيين تقديرُه: إنَّ الذين كفروا بالذِّكر لا يأتيه باطلُهم.

الخامسُ: أنَّ الخبرَ قولُه: { مَّا يُقَالُ لَكَ } ، والعائدُ محذوفٌ أيضاً تقديرُه: إنَّ الذين كفروا بالذكرِ ما يُقال لك في شَأنِهم إلاَّ ما قد قيل للرسلِ مِنْ قبلِك. وهذان الوجهان ذهب إليهما الشيخُ.

السادس: ذهب إليه بعضُ الكوفيين أنه قولُه: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } وهذا غيرُ متعقَّلٍ.

والجملةُ مِنْ قوله: " وإنَّه لكتابٌ " حاليةٌ، و { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ } صفةٌ لـ " كتاب ". و " تنزيلٌ " خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أو صفةٌ لـ " كتابٌ " على أنَّ " لا يأتيه " معترِضٌ أو صفةٌ كما تقدَّم على رأي مَنْ يجوِّزُ تقديمَ غيرِ الصريح من الصفاتِ على الصريح. وتقدَّم تحقيقُه في المائدة. و " مِنْ حكيمٍ " صفةٌ لـ " تَنْزيلٌ " أو متعلقٌ به. و " الباطلُ " اسمُ فاعلٍ. وقيل: مصدرٌ كالعافية والعاقبة.