الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قوله: { كِتَابٌ }: قد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً لـ " تَنْزيل " ويجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " تَنْزيل " ، وأَنْ يكونَ فاعلاً بالمصدرِ، وهو " تنزيلٌ " أي: نَزَلَ كتابٌ، قاله أبو البقاء، و " فُصِّلَتْ آياتُه " صفةٌ لكتاب.

قوله: " قُرْآناً " في نصبِه ستةُ أوجهٍ، أحدُها: هو حالٌ بنفسِه و " عربيَّاً " صفتُه، أو حالٌ موطِّئَةٌ، والحالُ في الحقيقةِ " عربيَّاً " ، وهي حالٌ غيرُ منتقلةٍ. وصاحبُ الحال: إمَّا " كتابٌ " لوَصْفِه بـ " فُصِّلَتْ " ، وإمَّا " آياته " ، أو منصوبٌ على المصدرِ أي: تقرؤه قرآناً، أو على الاختصاصِ والمدحِ، أو مفعولٌ ثانٍ لـ فُصِّلَتْ، أو منصوبٌ بتقديرِ فعلٍ أي: فَصَّلْناه قرآناً.

قوله: " لقومٍ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يتعلَّقَ بـ فُصِّلَتْ أي: فُصِّلَتْ لهؤلاءِ وبُيِّنَتْ لهم؛ لأنهم هم المنتفعون بها، وإنْ كانَتْ مُفَصَّلةً في نفسِها لجميعِ الناسِ. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً لـ " قُرآناً " أي: كائناً لهؤلاءِ خاصةً لِما تقدَّم في المعنى. الثالث: أَنْ يتعلَّقَ بـ " تَنْزِيلٌ " وهذا إذا لم يُجْعَلْ " من الرحمنِ " صفةً له؛ لأنَّك إنْ جَعَلْتَ " من الرحمن " صفةً له فقد أَعْمَلْتَ المصدرَ الموصوفَ، وإذا لم يكن " كتابٌ " خبراً عنه ولا بَدَلاً منه؛ لئلا يَلْزَمَ الإِخبارُ عن الموصولِ أو البدلِ منه قبلَ تمامِ صلتِه. ومَنْ يَتَّسِعْ في الظرف وعديلِه لم يُبالِ بشيءٍ من ذلك. وأمَّا إذا جَعَلْتَ " من الرحمن " متعلِّقاً به و " كتاب " فاعلاً به فلا يَضُرُّ ذلك؛ لأنه مِنْ تتمَّاته وليس بأجنبيّ، وهذا الموضعُ ممَّا يُظْهِرُ حُسْنَ علمِ الإِعرابِ، ويُدَرِّبُكَ في كثيرٍ من أبوابِه.