قوله: { ذَلِكَ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه مبتدأٌ و " جزاءُ " خبره. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: الأمرُ ذلك و { جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ } جملةٌ مستقلةٌ مبيِّنَةٌ للجملةِ قبلَها. قوله: " النارُ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها بدلٌ مِنْ " جزاء " ، وفيه نظرٌ؛ إذ البدلُ يَحُلُّ مَحَلَّ المبدلِ منه، فيصيرُ التقديرُ: ذلك النار. الثاني: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ. الثالث: أنها مبتدأٌ، و { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } الخبر. و " دارُ " يجوز ارتفاعُها بالفاعليَّة أو الابتداءِ. وقوله: { فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } يقتضي أَنْ تكونَ " دارُ الخلد " غيرَ النارِ، وليس الأمرُ كذلك، بل النارُ هي نفسُ دارِ الخُلْدِ. وأُجيب عن ذلك: بأنَّه قد يُجْعَلُ الشيءُ ظَرْفاً لنفسِه باعتبارِ متعلَّقِه على سبيل المبالغةِ، كأنَّ ذلك المتعلَّقَ صار مستقَراً له، وهو أبلغُ مِنْ نسبةِ المتعلَّقِ إليه على سبيلِ الإِخبارِ به عنه، ومثلُه قولُه:
3959 ـ..........................
وفي اللَّهِ إنْ لم يُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ
وقوله تعالى:{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21]، والرسولُ عليه السلام هو نفسُ الأُسْوةِ. كذا أجابوا. وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهرُ - وهو معنىً صحيحٌ منقولٌ - أنَّ في النار داراً تُسَمَّى دارَ الخلدِ، والنارُ مُحيطةٌ بها. قوله: " جَزاءً " في نصبِه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ، وهو مصدرٌ مؤكدٌ أي: يُجْزَوْن جزاءَ. الثاني: أَنْ يكونَ منصوباً بالمصدرِ الذي قبلَه، وهو { جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ } ، والمصدرُ يُنْصَبُ بمثلِه كقوله/:{ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً } [الإسراء: 63]. الثالث: أَنْ يَنْتَصِبَ على أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ، و " بما " متعلِّقٌ بـ " جَزاء " الثاني، إنْ لم يكنْ مؤكِّداً، وبالأول إن كان، و " بآياتِنا " متعلِّقٌ بـ " يَجْحَدون ".