الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ }

قوله: { إِنَّا كُلٌّ }: العامَّةُ على رفع " كلٌ " ، ورفعُه على الابتداء و " فيها " خبرُه، والجملةُ خبرُ " إنَّ " ، وهذا كقولِه في آل عمران: { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلُّهُ للَّهِ } في قراءة أبي عمروٍ. وقرأ ابن السَّمَيْفع وعيسى بن عمر بالنصب وفيه ثلاثة أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ تأكيداً لاسم " إنَّ ". قال الزمخشري: " توكيدٌ لاسم إنَّ، وهو معرفةٌ. والتنوينٌ عوضٌ من المضافِ إليه، يريد: إنَّا كلَّنا فيها " انتهى. يعني فيكون " فيها " هو الخبر. وإلى كونِه تأكيداً ذهب ابنُ عطية أيضاً. وقد رَدَّ ابن مالكٍ هذا المذهبَ فقال في " تسهيله ": " ولا يُستغنى بنية إضافتِه خلافاً للزمخشري ": قلت: وليس هذا مذهباً للزمخشري وحدَه بل هو منقول عن الكوفيين أيضاً. الثاني: أَنْ تكونَ منصوبةً على الحال، قال ابن مالك: " والقولُ المَرْضِيُّ عندي أنَّ " كلاً " في القراءة المذكورة منصوبةٌ على الحال من الضمير المرفوع في " فيها " ، و " فيها " هو العاملُ وقد قُدِّمَتْ عليه مع عَدَمِ تصرُّفه، كما قُدِّمَتْ في قراءةِ مَنْ قرأ: { وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ }. وكقولِ النابغة:
3935 ـ رَهْطُ ابنِ كُوْزٍ مُحقِبيْ أَدْراعِهم   فيهمْ ورَهْطُ ربيعةَ بنِ حُذار
وقول بعض الطائيين:
3936 ـ دعا فَأَجَبْنَا وَهْو بادِيَ ذلَّةٍ   لديكمْ وكان النصرُ غيرَ بعيدِ
يعني بنصب " باديَ " وهذا هو مذهبُ الأخفش، إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ مَنَعَ مِنْ ذلك قال: " فإنْ قلتَ: هل يجوزُ أَنْ يكونَ " كلاًّ " حالاً قد عَمِل فيه " فيها "؟ قلت: لا؛ لأنَّ الظرفَ لا يعملُ في الحال متقدمةً كما يعملُ في الظرفِ متقدِّماً. تقول: كلَّ يوم لك ثوبٌ. ولا تقول: قائماً في الدار زيد ". قال الشيخ: " وهذا الذي منعه أجازه الأخفشُ إذا توسَّطَتِ الحالُ نحو: " زيدٌ قائماً في الدار " و " زيدٌ قائماً عندك " ، والمثالُ الذي ذكره ليس مطابقاً لِما في الآية؛ لأنَّ الآيةَ تَقَدَّمَ فيها المسندُ إليه الحكمُ وهو اسمُ إنَّ، وتوسَّطَتِ الحالُ إذا قلنا إنها حالٌ، وتأخَّر العاملُ فيها. وأمَّا تمثيلُه بقولِه: ولا تقولُ: " قائماً في الدار زيد " ، فقد تأخَّر فيه المسندُ والمسندُ إليه. وقد ذكر بعضُهم أنَّ المنعَ في ذلك إجْماعٌ من النحاة ".

قلت: الزمخشريُّ مَنْعُه صحيحٌ لأنه ماشٍ على مذهبِ الجمهور، وأمَّا تمثيلُه بما ذَكَر فلا يَضُرُّه لأنه في محلِّ المَنْعِ، فعدمُ تجويزِه صحيحٌ.

الثالث أنَّ " كلاً " بدلٌ مِنْ " نا " في " إنَّا " ، لأَنَّ " كلاً " قد وَلِيَتْ العوامِل/ فكأنه قيل: إنَّ كلاً فيها.

السابقالتالي
2