الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }

قوله: { أَسْبَابَ ٱلسَّمَاوَاتِ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه تابعٌ للأسبابِ قبله بدلاً أو عطفَ بيان. والثاني: أنه منصوبٌ بإضمار أَعْني، والأولُ أَوْلَى؛ إذ الأصلُ عدمُ الإِضمارِ.

قوله: " فَأَطَّلِعَ " العامَّةُ على رفعِه عَطْفاً على " أَبْلُغُ " فهو داخِلٌ في حَيِّزِ الترجِّي. وقرأ حفصٌ في آخرين بنصبِه. وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه جوابُ الأمرِ في قولِه: " ابْنِ لي " فنُصِبَ بأَنْ مضمرةً بعد الفاءِ في جوابِه على قاعدة البصريين كقولِه:
3933 ـ يا ناقُ سِيْري عَنَقاً فَسِيحا   إلى سليمانَ فَنَسْتريحا/
وهذا أَوْفَقُ لمذهب البصريين. الثاني: أنه منصوبٌ. قال الشيخ: " عَطْفاً على التوهُّمِ لأنَّ خبر " لعلَّ " كثيراً جاء مَقْروناً بـ " أن " ، كثيراً في النظمِ وقليلاً في النثر. فمَنْ نَصَبَ تَوَهَّم أنَّ الفعلَ المرفوعَ الواقعَ خبراً منصوبٌ بـ " أنْ " ، والعطفُ على التوهُّمِ كثيرٌ، وإنْ كان لا ينقاسُ " انتهى. الثالث: أن يَنْتَصِبَ على جوابِ الترجِّي في " لعلَّ " ، وهو مذهبٌ كوفي استشهد أصحابُه بهذه القراءةِ وبقراءة عاصموَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ } [عبس: 3-4] بنصب " فتنفَعَه " جواباً لِقوله: " لعلَّه ". وإلى هذا نحا الزمخشري قال: " تشبيهاً للترجِّي بالتمني " والبصريُّون يأبَوْن ذلك، ويُخَرِّجُون القراءتَيْنِ على ما تقدَّم. وفي سورة عبس يجوز أن [يكون] جواباً للاستفهام في قولِه: " وما يُدْريك " فإنه مترتبٌ عليه معنىً. وقال ابن عطية وابن جُبارة الهُذلي: " على جواب التمني " وفيه نظرٌ؛ إذ ليس في اللفظِ تَمَنٍّ، إنَّما فيه تَرَجٍّ. وقد فَرَّقَ الناسُ بين التمني والترجِّي: بأنَّ الترجِّيَ لا يكونُ إلاَّ في الممكنِ عكسَ التمني، فإنه يكونُ فيه وفي المستحيلِ كقولِه:
3934 ـ لَيْتَ الشبابَ هو الرَّجيعُ على الفتى   والشيبُ كان هو البَدِئُ الأولُ
وقُرِئ " زَيَّنَ لفرعونَ " مبنياً للفاعلِ وهو الشيطانُ. وتقدَّم الخلافُ في { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } في الرعد فمَنْ بناه للفاعلِ حَذَفَ المفعولَ أي: صَدَّ قومَه عن السبيلِ. وابنُ وثَّاب " وصِدَّ " بكسرِ الصادِ، كأنه نَقَل حركةَ الدالِ الأولى إلى فاءِ الكلمة بعد توهُّمِ سَلْبِ حركتِها. وقد تقدَّم ذلك في نحو " رِدَّ " وأنه يجوزُ فيه ثلاثُ اللغاتِ الجائزةِ في قيل وبِيع. وابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة " وصَدٌّ " بفتح الصادِ ورفع الدالِ منونةً جعله مصدراً منسوقاً على " سوءُ عملِه " أي: زَيَّن له الشيطانُ سوءَ العملِ والصدَّ. والتَّباب: الخَسارُ. وقد تقدَّم ذلك في قوله:غَيْرَ تَتْبِيبٍ } [هود: 101]. وتقدَّم الخِلافُ أيضاً في قوله:يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } في سورة النساء [الآية: 40].