الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }

قوله: { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ } يجوز فيه عشرةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه بدلٌ مِنْ قولِه: { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } وإنما جُمِع اعتباراً بمعنى " مَنْ ". الثاني: أَنْ يكونَ بياناً له. الثالث: أَنْ يكونَ صفةً له. وجُمِع على معنى " مَنْ " أيضاً. الرابع: أَنْ ينتصِبَ بإضمار أعني. الخامس: أَنْ يرتفعَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هم الذين. السادس: أَنْ يرتفعَ مبتدأً، خبرُه " يَطْبَعُ اللَّهُ ". و " كذلك " خبرُ مبتدأ مضمرٍ أيضاً، أي: الأمرُ كذلك. والعائدُ من الجملةِ وهي " يَطْبَعُ " على المبتدأ محذوفٌ، أي: على كلِّ قلبِ متكبِّرٍ منهم. السابع: أنْ يكونَ مبتدأً، والخبر " كَبُرَ مَقْتاً " ، ولكنْ لا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضاف ليعودَ الضميرُ مِنْ " كَبُرَ " عليه. والتقديرُ: حالُ الذين يُجادلون كَبُرَ مَقتاً ويكون " مَقْتاً " تمييزاً، وهو مَنْقولٌ مِنَ الفاعليةِ إذ التقديرُ: كَبُرَ مَقْتُ حالِهم أي: حالِ المجادلين. الثامن: أَنْ يكونَ " الذين " مبتدأً أيضاً، ولكن لا يُقَدَّرُ حَذْفُ مضافٍ، ويكونُ فاعلُ " كَبُرَ " ضميراً عائداً على جدالِهم المفهومِ من قوله: " ما يُجادِلُ ". والتقدير: كَبُرَ جِدالُهم مَقْتاً. و " مَقْتاً " على ما تقدَّمَ أي: كَبُرَ مَقْتُ جدالِهم. التاسع: أَنْ يكونَ " الذين " مبتدأً أيضاً، والخبرُ { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ }. قاله الزمخشري: ورَدَّه الشيخ: بأنَّ فيه تفكيكَ الكلامِ بعضِه من بعضٍ؛ لأنَّ الظاهرَ تعلُّقُ " بغير سُلْطان " بـ " يُجادلون " ، ولا يُتَعَقَّلُ جَعْلُه خبراً لـ الذين لأنه جارٌّ ومجرورٌ، فيصيرُ التقديرُ: الذين يُجادلون كائنون أو مستقرون بغيرِ سلطان، أي: في غير سلطان؛ لأنَّ الباءَ إذ ذاك ظرفيةٌ خبرٌ عن الجُثَث. العاشر: أنه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ أي: مُعانِدون ونحوه، قاله أبو البقاء.

قوله: " كَبُرَ مَقْتاً " يُحْتمل أَنْ يُرادَ به التعجبُ والاستعظامُ، وأَنْ يُرادَ به الذمُّ كبِئْس؛ وذلك أنه يجوزُ أَنْ يُبْنَى فَعُل بضمِّ العَيْن مِمَّا يجوزُ التعجُّبُ منه، ويَجْري مَجْرى نِعْم وبئس في جميعِ الأحكامِ. وفي فاعلِه ستةُ أوجهٍ، الأول: أنه ضميرٌ عائدٌ على حالِ المضافِ إلى الذين، كما تقدَّم تقريرُه./ الثاني: أنه ضميرٌ يعودُ على جدالِهم المفهوم مِنْ " يُجادلون " كما تقدَّم أيضاً. الثالث: أنه الكافُ في " كذلك ". قال الزمخشري: " وفاعلُ " كَبُرَ " قولُه: " كذلك " أي: كَبُرَ مَقْتاً مثلُ ذلك الجدالِ، ويَطْبع اللَّهُ كلامٌ مستأنفٌ " ورَدَّه الشيخُ: بأنَّ فيه تَفْكيكاً للكلامِ وارتكابَ مذهبٍ ليس بصحيحٍ. أمَّا التفكيكُ فلأنَّ ما جاء في القرآن مِنْ " كذلك نَطْبَعُ " أو " يَطْبع " إنما جاء مربوطاً بعضُه ببعض فكذلك هذا، وأمَّا ارتكابُ مذهبٍ غيرِ صحيح فإنه جَعَل الكافَ اسماً ولا تكونُ اسماً إلاَّ في ضرورةٍ، خلافاً للأخفش.

السابقالتالي
2