الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ }

قوله: { يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ }: يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً به اتِّساعاً، وأَنْ يكونَ ظرفاً، والمفعولُ محذوفٌ. والآزِفَةُ: القريبةُ، مِنْ أَزِفَ الشيءُ، أي: قَرُبَ. قال النابغةُ:
3919 ـ أَزِف التَّرَحُّلُ غيرَ أنَّ رِكابَنا   لَمَّا تَزَلْ برِحالِنا وكأنْ قَدِ
وقال كعبُ بن زهير:
3920 ـ بان الشبابُ وهذا الشيبُ قد أَزِفا   ولا أرَى لشبابٍ بائنٍ خلفا
وقال الراغب: " أَزِفَ وأَفِدَ يتقارَبان، لكنَّ " أَزِفَ " يقال اعتباراً بضيقِ وقتِها. ويقال: أزِفَ الشُّخوصُ. والأَزَفُ: ضيقُ الوقت " ، قلت: فجَعَلَ بينهما فَرْقاً، ويُرْوَى بيتُ النابغة: أَفِدَ الترحُّلُ. والآزِفَةُ: صفةٌ لمحذوفٍ، فيجوز أَنْ يكونَ التقديرُ: الساعة الآزِفَةُ أو الطامَّةُ الآزِفة.

قوله: " إذ القلوبُ " بدْلٌ من يومِ الآزِفةِ، أو مِنْ " هم " في " أَنْذِرْهُمْ " بدلُ اشتمالٍ.

قوله: " كاظِمين " نصبٌ على الحالِ. واختلفوا في صاحبها والعاملِ فيها. وقال الحوفي: " القلوبُ " مبتدأ. و " لدى الحناجِر " خبرُه، و " كاظمين " حالٌ من الضميرِ المستكنِّ فيه ". قلت: ولا بُدَّ مِنْ جوابٍ عن جمعِ القلوبِ جمعَ مَنْ يَعْقِل: وهو أنْ يكونَ لَمَّا أَسْند إليهم ما يُسْنَدُ للعقلاءِ جُمِعَتْ جَمْعَه، كقولِه:رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف: 4]،فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 4]. الثاني: أنها حالٌ من " القلوب ". وفيه السؤالُ والجوابُ المتقدِّمان. الثالث: أنه حالٌ من أصحاب القلوب. قال الزمخشري: " هو حالٌ مِنْ أصحاب القلوب على المعنى؛ إذ المعنى: إذْ قلوبُهم لدى الحناجر كاظمين عليها ". قلت: فكأنَّه في قوةِ أنْ جَعَلَ أل عِوَضاً من الضمير في حناجرهم: الرابع: أَنْ يكونَ حالاً مِنْ " هم " في " أَنْذِرْهم " ، وتكونُ حالاً مقدرةً؛ لأنهم وقتَ الإِنذارِ غيرُ كاظمين.

وقال ابن عطية: " كاظِمين حالٌ ممَّا أُبْدِلَ منه " إذ القلوب " أو ممَّا تُضاف القلوبُ إليه؛ إذ المرادُ: إذ قلوبُ الناس لدى حناجرِهم، وهذا كقولِه:تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [إبراهيم: 42] أراد: تَشْخَصُ فيه أبصارُهم ". قلت: ظاهرُ قولِه أنه حالٌ ممَّا أُبْدِل منه.

قوله: " إذ القلوبُ " مُشْكِلٌ؛ لأنه أُبْدِل مِنْ قوله: " يومَ الآزِفَة " وهذا لا يَصِحُّ البتةَ، وإنما يريد بذلك على الوجه الثاني: وهو أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " هم " في " أَنْذِرْهُمْ " بدلَ اشتمالٍ، وحينئذ يَصِحُّ. وقد تقدَّم الكلامُ على الكَظْمِ، والحناجر، في آل عمران والأحزاب.

قوله: { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } " يُطاعُ " يجوزُ أَنْ يُحْكَمَ على موضعِه بالجرِّ نعتاً على اللفظِ، وبالرفعِ نعتاً على المحلِّ؛ لأنه معطوفٌ على المجرور بمِنْ المزيدةِ.

وقوله: { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } مِنْ باب:
3921 ـ على لاحِبٍ لا يُهْتَدى بمَنارِه   .......................
أي: لا شفيعَ فلا طاعةَ، أو ثَمَّ شفيعٌ ولكن لا يُطاعُ.