الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }

قوله: { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ }: في " يوم " أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنه بدلٌ مِنْ " يوم التلاق " بدلُ كل مِنْ كل. الثاني: أَنْ ينتصِبَ بالتلاق أي: يقع التلاقي في يومِ بُروزِهم. الثالث: أنْ ينتصِبَ بقولِه: { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } ، ذكره ابنُ عطيةَ، وهذا على أحدِ الأقوالِ الثلاثةِ في " لا ": هل يعملُ ما بعدَها فيما قبلها؟ ثالثها: التفصيلُ بين أَنْ تقعَ جوابَ قسمٍ فيمتنعَ، أو لا فيجوزَ. فيجوزُ هذا على قولين من هذه الأقوالِ. الرابع: أن ينتصِبَ بإضمار " اذكُرْ ". و " يومَ " ظرفٌ مستقبلٌ كـ " إذا ". وسيبويه لا يرى إضافةَ الظرفِ المستقبلِ إلى الجمل الاسمية، والأخفشُ يراه، ولذلك قدَّر سيبويه في قولِه:إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [الانشقاق: 1] ونحوهِ فعلاً قبل الاسم، والأخفشُ لم يُقَدِّرْه، وعلى هذا فظاهرُ الآيةِ مع الأخفش. ويُجاب عن سيبويه: بأنَّ " هم " ليس مبتدأ بل مرفوعاً بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّره اسمُ الفاعل أي: يومَ برزوا، ويكون " بارِزون " خبرَ مبتدأ مضمر فلمَّا حُذِف الفعلُ انفصل الضميرُ فبقي كما ترى، وهذا كما قالوا في قوله:
3916 ـ لو بغيرِ الماءِ حَلْقي شَرِقٌ   كُنْتُ كالغَصَّانِ بالماءِ اعتصاري
في أنَّ " حَلْقي " مرفوعُ فعلٍ يُفَسِّره " شَرِقٌ " لأنَّ " لو " لا يَليها إلاَّ الأفعالُ، وكذا قولُه:
3917 ـ........................   فهَلاَّ نَفْسُ لَيْلى شَفيعُها
لأنَّ " هَلاَّ " لا يَليها إلاَّ الأفعالُ، فالمُفَسَّرُ في هذه المواضعِ أسماءٌ مُسْبَقَةٌ، وهو نظيرُ " أنا زيداً ضاربُه " من حيث التفسيرُ. وحركة " يومَ هم " حركةُ إعرابٍ على المشهورِ. ومنهم مَنْ جَوَّزَ بناءَ الظرفِ، وإنْ أضيف إلى فعلٍ مضارعٍ أو جملة اسميةٍ، وهم الكوفيون. وقد وَهِم/ بعضُهم فحتَّم بناءَ الظرفِ المضافِ للجملِ الاسمية. وقد عَرَفْتَ ممَّا تقدَّمَ أنه لا يُبْنَى عند البصريين إلاَّ ما أُضيف إلى فعلٍ ماض، كقولِه:
3918 ـ على حينَ عاتَبْتَ المشيبَ على الصِّبا   ............................
البيت. وقد تقدَّم هذا مستوفىً في آخره المائدة. وكتبوا " يومَ هم " هنا وفي الذاريات منفصلاً، وهو الأصلُ.

قوله: " لا يَخْفَى " يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً، وأَنْ تكونَ حالاً من ضميرِ " بارِزون " وأَنْ تكونَ خبراً ثانياً.