قوله تعالى: { فَتَبَيَّنُواْ }: قرأ الأخوان من التثبُّت، والباقون من البيان، قيل: هما متقاربان لأن مَنْ تَثَّبت في الشيء تبينه، قاله أبو عبيد، وصَحَّحه ابن عطية وقال الفارسي: " التثبُّت هو خلاف الإِقدام والمراد التَّأنِّي، والتثبت أشد اختصاصاً بهذا الموضع، يدل عليه قوله:{ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } [النساء: 66] أي: أشدُّ وقعاً لهم عَمَّا وُعِظوا به بأَنْ لا يقدُموا عليه " فاختارَ قراءة الأخوين. وعكس قومٌ فرجَّحوا قراءة الجماعة قالوا: لأن المثبِّت قد لا يتبيَّن، وقال الراغب: " لأنه قلَّ ما يكون إلا بعد تثبُّت، وقد يكون التثبت ولا تبيُّنَ، وقد قوبل العجلة في قوله عليه السلام: " التبيُّن من الله والعجلةُ من الشيطان " قلت: فهذا يقوي قراءة الأخوين أيضاً. وتَفَعَّل في كلتا القراءتين بمعنى استفعل الدال على الطلب أي: اطلبوا التثبيت أو البيان. وقوله: { لِمَنْ أَلْقَىۤ } اللام للتبليغ هنا، و " مَنْ " موصولة. أو مفصولةٌ، و " ألقى " هنا ماضي اللفظِ، إلا أنه بمعنى المستقبل أي: لمن يُلْقي، لأنَّ النهيَ لا يكونُ عَمَّا وقع وانقضى، والماضي إذا وقع صلة صَلَح للمضيِّ والاستقبال. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة: " السَّلَم " بفتح السين واللام من غير ألف، وباقي السبعة: " السلام " بألف، ورُوي عن عاصم: " السِّلْم " بكسر السين وسكون اللام. فأما " السلام " فالظاهر أنه التحية. وقيل: الاستسلام والانقياد، والسَّلَم - بفتحهما - الانقياد فقط، وكذا{ ٱلسِّلْمِ } [الآية: 208] بالكسر والسكون. والجحدري بفتحها وسكون اللام، وقد تَقَدَّم القول فيها في البقرة فعليك بالالتفات إليه. والجملة من قوله " لست مؤمناً " في محل نصب بالقول. والجمهور على كسر الميم الثانية من " مؤمناً " اسم فاعل وأبو جعفر بفتحها اسمَ مفعول أي: لانُؤَمِّنك في نفسك، وتُروى هذه القراءة عن علي وابن عباس ويحيى بن يعمر. قوله { تَبْتَغُونَ } في محل نصب على الحال من فاعل " تقولوا " أي: لا تقولوا ذلك مبتغين. قوله: " كذلك " هذا خبر لـ " كان " قُدِّم عليها وعلى اسمها أي: كنتم من قبل الإِسلام مثلَ مَنْ أقدم ولم يَتَثَبَّتْ. وقوله { فَمَنَّ ٱللَّهُ } الظاهر أن هذه الجملة من تتمة قوله { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ } فهي معطوفة على الجملة قبلها. وقيل: بل هي من تتمة قوله " تبتغون " والأولُ أظهر: وقوله: " فتبيِّنوا " قرئت كالتي قبلها فقيل: هي تأكيد لفظي للأولى، وقيل: ليست للتأكيد لاختلاف متعلقهما، فإنَّ تقدير الأول: " فتبيَّنوا في أمر مَنْ تقتلونه " ، وتقدير الثاني: فتبينوا نعمةَ الله، أو تثبَّتوا فيها، والسياقُ يدل على ذلك، ولأنَّ الأصل عدم التأكيد. والجمهور على كسر همزة " إنَّ الله " ، وقرئ بفتحها على أنها معمولة لـ " تبينَّوا " أو على حذف لام العلةِ، وإن كان قد قرئ بالفتح مع التثبيت فيكونُ على لام العلة لا غير. والمغانم: جمع " مَغْنَم " وهو يصلح للمصدر والزمان والمكان، ثم يُطلق على [كل] ما يؤخذ من مال العدو في الغزو، إطلاقاً للمصدر على اسم المفعول نحو: " ضَرْب الأمير ".