الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

قوله تعالى: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ }: جوابُ قسمٍ محذوف، وفي جملةِ هذا القسم مع جوابِه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُهما: أنها في محلِّ رفعٍ خبراً ثانياً لقوله " اللَّهُ " ، و " لا إلهَ إلا هو " جملةُ خبر أول. والثاني: انها خبر لقوله: " الله " أيضاً، و " لا إله إلا هو " جملة اعتراضٍ بين المبتدأ وخبره. والثالث: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإِعراب. وقد تقدم إعرابٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [الآية: 255] ولاَ رَيْبَ فِيهِ } [الآية: 3] في البقرة.

قوله: { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } فيه ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها على بابِها من انتهاءِ الغايةِ، قال الشيخ: " ويكونُ الجمعُ في القبور، أو تُضمِّن " ليجمعنَّكم " معنى ليحشرنَّكم " فيُعَدَّى بـ " إلى " يعني أنه ضُمِّن الجمعُ معنى الحَشْر لم يَحْتج إلى تقدير مجموع فيه. وقال أبو البقاء - بعد أَنْ جَوَّز فيها أن تكونَ بمعنى " في " - " وقيل: هي على بابها أي: ليجمعنَّكم في القبور، فعلى هذا يجوز أن يكون مفعولاً به، ويجوز أن يكونَ حالاً أي: ليجمعنَّكم مُفْضِين إلى حساب يوم القيامة " يريد بقوله " مفعولاً به " أنه فَضْلَةٌ كسائرِ الفَضَلات نحو: " سرت إلى الكوفة " ولكن لا يَصِحُّ ذلك إلا بأَنْ يُضَمَّنَ الجمعُ معنى الحشر كما تقدم، وأمَّا تقديرُه الحالَ بـ " مُفَضِين " فغيرُ جائزٍ لأنه كونٌ مقيِّدٌ. والثاني: أنها بمعنى " في " أي: في يوم القيامة، ونظيرُه قولُ النابغة:
1632- فلا تَتْرُكَنِّي بالوعيدِ كأنني   إلى الناسِ مَطْلِيُّ به القارُ أَجْرَبُ
أي: في الناس. والثالث: أنها بمعنى " مع " ، وهذا غيرُ واضح المعنى. والقيامة بمعنى القِيام كالطَّلابة والطِّلاب، قالوا: ودَخَلَتْ التاءُ فيه للمبالغة كعَلاَّمة ونَسَّابة لشدةِ ما يقع فيه من الهَوْل، وسُمِّي بذلك لقيامِ الناس فيه للحسابِ، قال تعالى:يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [المطففين: 6]. والجملةُ من قوله: " لا ريب فيه " فيها وجهان، أحدُهما: أنها في محلِّ نصب على الحال من " يوم " فالضمير في " فيه " يعودُ عليه، والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ نعتاً لمصدرٍ محذوف دَلَّ عليه " ليجمعنَّكم " أي: جمعاً لا ريبَ فيه، والضميرُ يعود عليه والأولُ أظهرُ. " ومَنْ أصْدَقُ " تقدَّم نظيرُ هذه الجملة. و " حديثاً " نصبٌ على التمييز. وقرأ الجمهور " أَصْدَقُ " بصاد خالصة، وحمزة والكسائي بإشمامها زاياً، وهكذا كلُّ صادٍ ساكنةٍ بعدها دالٌ، نحو: " تَصْدُقون " و " تَصْدِيَةً " وهذا كما فعل حمزة فيٱلصّرَاطَ } [الفاتحة: 6] وبِمُصَيْطِرٍ } [الغاشية: 22] للمجانسةِ قَصْدَ الخِفَّةِ.