الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }

قوله تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ }: " أين " اسم شرط يجزم فعلين و " ما " زائدة على سبيل الجواز مؤكدةٌ لها، و " أين " ظرف مكان و " تكونوا " مجزومٌ بها، و " يُدْرِكْكم " جوابُه. والجمهورُ على جزمه؛ لأنه جواب الشرط، وطلحة بن سليمان: " يدرِكُكم " برفعه، فخرَّجه المبرد على حَذْفِ الفاء أي: فيدرككم الموت. ومثلُه قولُ الآخر:
1612- يا أقرعُ بنَ حابسٍ يا أقرعُ   إنك إنْ يُصْرَعْ أخوكَ تُصْرَعُ
وهذا تخريج المبرد، وسيبويه يزعم أنه ليس بجواب، إنما هو دالٌّ على الجواب والنيةُ به التقديمُ. وفي البيت تخريجٌ آخر وهو أن يكون " يصرعُ " المرفوعُ خبراً لـ " إنك " والشرطُ معترضٌ بينهما، وجوابُه ما دَلَّ عليه قوله " إنك تُصْرَعُ " كقوله:وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [البقرة: 70] وخَرَّجه الزمخشري على التوهَّم فإنه قال: " ويجوز أن يقال: حُمِل على ما يقع موقعَ " أينما تكونوا " وهو " أينما كنتم " كما حُمِل " ولا ناعبٍ " على ما يقع موقع ليسوا مصلحين وهو " ليسوا بمصلحين " فرَفَع كما رفع زهير:
1613ـ................   يقول لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ
وهو قولُ نحويّ سِيبيّ، يعني منسوب لسيبويه، فكأنه قال: " أينما كنتم " وفعلُ الشرط إذا كان ماضياً لفظاً جازَ المضارعِ الرفعُ والجزمُ كقول زهير:
وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ   يقولُ...............
وفي رفعه الوجهان المذكوران عن سيبويه والمبرد. ورَدَّ عليه الشيخ بأن العطفَ على التوهم لا ينقاس، ولأنَّ قوله يؤدِّي إلى حذف جواب الشرط، ولا يُحْذَفُ إلا إذا كان فعل الشرط ماضياً، لو قلت: " أنت ظالمُ إنْ تفعل " لم يجز. وهذا ـ كما رأيتَ ـ مضارعٌ. وفي هذا الردِّ نظرٌ لا يَخْفَى.

" ولو كنتم " قالوا: هي بمعنى " إنْ " وجوابُها محذوف أي: لأدرككم. وذكر الزمخشري فيه قولاً غريباً من عند نفسِه فقال: " ويجوزُ أن يتصل بقوله { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي: لا تُنقَضون شيئاً مِمَّا كُتِب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحمِ حروب أو غيرها، ثم ابتدأ بقوله: { يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } ، والوقف على هذا الوجه [على] " أينما تكونوا ". انتهى. وردَّ عليه الشيخ فقال: " هذا تخريجُ ليس بمستقيمٍ لا من حيث المعنى ولا من حيث الصناعة النحوية: أمَّا من حيث المعنى فإنه لا يناسِبُ أن يكون متصلاً بقوله: { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } لأنَّ انتفاءَ الظلم ظاهراً إنما هو في الآخرة لقوله: { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ } وأما من حيث الصناعةُ النحوية فإنَّ ظاهرَ كلامِه يَدُلُّ على أن " أينما تكونوا " متعلقٌ بقولِه: { ولا تُظْلمون } بمعنى ما فَسَّره، وهذا لا يجوز لأن أسماءَ الشرط لها صدرُ الكلام فلا يتقدَّم عامُلها عليها، فإنْ وَرَدَ مثلُ: " اضربْ زيداً متى جاء " قُدِّر له عاملٌ يدلُّ عليه " اضرب " لا نفسُ " اضرب " المتقدم.

السابقالتالي
2