قوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ }: هذا استفهامٌ يُراد به التحريضُ والأمرُ بالجهاد. و " ما " مبتدأٌ، " و " لكم " خبرُه، أي: أيُّ شيء استقرَّ لكم. وجملةُ قولِه " لا تقاتلون " فيها وجهان، أظهرهما: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال أي: ما لكم غيرَ مقاتلين، أَنْكَرَ عليهم أن يكونوا على غير هذه الحالة، وقد صَرَّح بالحال بعد هذا التركيب في قوله:{ فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [المدثر: 49]، وقالوا في مثل هذه الحال: إنها لازمةٌ / لأنَّ الكلامَ لايتم دونها، وفيه نظر. والعاملُ في هذه الحال الاستقرارُ المقدَّر كقولِك: ما لك ضاحكاً؟ والوجه الثاني: أن الأصل: " وما لكم في ألا تقتلوا " فَحُذِفَتْ " في " فبقي " أَنْ لا تقاتلوا " فجرى فيها الخلافُ المشهور، ثم حُذِفَتْ " أَنْ " الناصبة فارتفع الفعل بعدها كقولهم: " تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيّ خيرٌ من أن تراه " وقوله:
1611- ألا أيُّهذا الزاجري أحضُرُ الوغى
..................
في إحدى الروايتين، وهذا يؤيد كونَ الحالِ ليس بلازمةٍ. قوله: { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } فيه ثلاثة أوجه. أظهرُها: أنه مجرورٌ عطفاً على اسم الله تعالى أي: وفي سبيل المستضعفين. والثاني: ـ وإليه ذهبَ الزجاج والمبرد ـ أن يكونَ مجرواً عطفاً على نفس " سبيل ". قال أبو البقاء ـ بعد أَنْ حكاه عن المبرد وحده ـ: " وليس بشيء " كأنه لم يظهر لأبي البقاء وجهُ ذلك، ووجهُ أنَّ تقديرَه: " وفي خلاص المستضعفين " والثالث ـ وإليه ذهب الزمخشري ـ: أن يكونَ منصوباً على الاختصاص تقديره: وأَخُصُّ من سبيلِ الله خلاصَ المستضعفين، لأنَّ سبيلَ اللَّهِ عامٌّ في كلِّ خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخيور. والجمهورُ على " والمستضعفين " بواو العطف، وقرأ ابن شهاب: " في سبيل الله المستضعفين " وفيها تخريجان، أحدُهما: أن يكونَ حرفُ العطف مقدراً كقولهم: " أكلت لحماً تمراً سمكاً " والثاني: أن يكونَ بدلاً من " سبيل الله " أي: في سبيلِ الله سبيلِ المستضعفين، لأنَّ سبيلَهم سبيلُ الله تعالى. قوله: { مِنَ ٱلرِّجَالِ } فيه وجهان، أحدهما: أنه حال من المستضعفين. والثاني: أنَّ " مِنْ " لبيان الجنس، والوِلْدان قيل: جمع " وليد " وقيل: جمع وَلَد، كوَرَل ووِرْلان. والمراد بهم: الصبيان وقيل: العبيد والإِماء، يقال للعبد " وليد " وللأمة " وليدة " ، فغلَّب المذكر على المؤنث لأندارجِه فيه. و " الذين يقولون " فيه وجهان،أحدُهما: أن يكونَ مجروراً على أنه صفةٌ: إمَّا للمستضعفين وإمَّا للرجال ومَنْ بعدَهم، وغَلَّب المذكرَ على المؤنث. وقال أبو البقاء " الذين يقولون " في موضع جر صفةً لِمَنْ عقل من المذكورين " كأنه تَوَهَّم أن الوِلْدان [هم] الصبيانُ، والصبيانُ لا يَعْقِلون، فَجَعَله نعتاً لِمَنْ عقل من المذكورين وهم الرجال والنساء دونَ الوِلْدان، لأنَّ جَمْعَ السلامة في المذكَّر يُشْترط فيه العقلُ، " والذين " جارٍ مجراه، وهذه غَفْلةٌ؛ لأنَّ مرادَ النَّحْويين بالعاقلِ ما كان من جنس العقلاء وإنْ كان مسلوبَ العقلِ، ويَدُلُّ عليه قولُه تعالى: