الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً }

قوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ }: هذا استفهامٌ يُراد به التحريضُ والأمرُ بالجهاد. و " ما " مبتدأٌ، " و " لكم " خبرُه، أي: أيُّ شيء استقرَّ لكم. وجملةُ قولِه " لا تقاتلون " فيها وجهان، أظهرهما: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال أي: ما لكم غيرَ مقاتلين، أَنْكَرَ عليهم أن يكونوا على غير هذه الحالة، وقد صَرَّح بالحال بعد هذا التركيب في قوله:فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [المدثر: 49]، وقالوا في مثل هذه الحال: إنها لازمةٌ / لأنَّ الكلامَ لايتم دونها، وفيه نظر. والعاملُ في هذه الحال الاستقرارُ المقدَّر كقولِك: ما لك ضاحكاً؟ والوجه الثاني: أن الأصل: " وما لكم في ألا تقتلوا " فَحُذِفَتْ " في " فبقي " أَنْ لا تقاتلوا " فجرى فيها الخلافُ المشهور، ثم حُذِفَتْ " أَنْ " الناصبة فارتفع الفعل بعدها كقولهم: " تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيّ خيرٌ من أن تراه " وقوله:
1611- ألا أيُّهذا الزاجري أحضُرُ الوغى   ..................
في إحدى الروايتين، وهذا يؤيد كونَ الحالِ ليس بلازمةٍ.

قوله: { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } فيه ثلاثة أوجه. أظهرُها: أنه مجرورٌ عطفاً على اسم الله تعالى أي: وفي سبيل المستضعفين. والثاني: ـ وإليه ذهبَ الزجاج والمبرد ـ أن يكونَ مجرواً عطفاً على نفس " سبيل ". قال أبو البقاء ـ بعد أَنْ حكاه عن المبرد وحده ـ: " وليس بشيء " كأنه لم يظهر لأبي البقاء وجهُ ذلك، ووجهُ أنَّ تقديرَه: " وفي خلاص المستضعفين " والثالث ـ وإليه ذهب الزمخشري ـ: أن يكونَ منصوباً على الاختصاص تقديره: وأَخُصُّ من سبيلِ الله خلاصَ المستضعفين، لأنَّ سبيلَ اللَّهِ عامٌّ في كلِّ خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخيور. والجمهورُ على " والمستضعفين " بواو العطف، وقرأ ابن شهاب: " في سبيل الله المستضعفين " وفيها تخريجان، أحدُهما: أن يكونَ حرفُ العطف مقدراً كقولهم: " أكلت لحماً تمراً سمكاً " والثاني: أن يكونَ بدلاً من " سبيل الله " أي: في سبيلِ الله سبيلِ المستضعفين، لأنَّ سبيلَهم سبيلُ الله تعالى.

قوله: { مِنَ ٱلرِّجَالِ } فيه وجهان، أحدهما: أنه حال من المستضعفين.

والثاني: أنَّ " مِنْ " لبيان الجنس، والوِلْدان قيل: جمع " وليد " وقيل: جمع وَلَد، كوَرَل ووِرْلان. والمراد بهم: الصبيان وقيل: العبيد والإِماء، يقال للعبد " وليد " وللأمة " وليدة " ، فغلَّب المذكر على المؤنث لأندارجِه فيه. و " الذين يقولون " فيه وجهان،أحدُهما: أن يكونَ مجروراً على أنه صفةٌ: إمَّا للمستضعفين وإمَّا للرجال ومَنْ بعدَهم، وغَلَّب المذكرَ على المؤنث. وقال أبو البقاء " الذين يقولون " في موضع جر صفةً لِمَنْ عقل من المذكورين " كأنه تَوَهَّم أن الوِلْدان [هم] الصبيانُ، والصبيانُ لا يَعْقِلون، فَجَعَله نعتاً لِمَنْ عقل من المذكورين وهم الرجال والنساء دونَ الوِلْدان، لأنَّ جَمْعَ السلامة في المذكَّر يُشْترط فيه العقلُ، " والذين " جارٍ مجراه، وهذه غَفْلةٌ؛ لأنَّ مرادَ النَّحْويين بالعاقلِ ما كان من جنس العقلاء وإنْ كان مسلوبَ العقلِ، ويَدُلُّ عليه قولُه تعالى:

السابقالتالي
2