قوله تعالى: { مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ }: هذا الجارُّ في محل رفع لأنه صفةٌ للمرفوعِ قبلَه أي: نصيبٌ كائن أو مستقر، ويجوز أن يكون في محل نصبٍ متعلقاً بلفظ " نصيب " لأنَّه من تمامه. وقوله: { مِمَّا قَلَّ } في هذا الجارِّ أيضاً وجهان أحدُهما: أنه بدلٌ من " ما " الأخيرةِ في " مِمَّا ترك " بإعادة حرفِ الجر في البدل، والضميرُ في " منه " عائدٌ على " ما " الأخيرةِ، وهذا البدلُ مرادٌ أيضاً في الجملةِ الأولى حُذِفَ للدلالةِ عليه، ولأنَّ المقصودَ به التأكيدُ لأنه تفصيلٌ/ للعمومِ المفهومِ من قولِه: { مِّمَّا تَرَكَ } فجاءَ هذا البدلُ مفصِّلاً لحالتَيْه من الكثرةِ والقلة. والثاني: أنه حالٌ من الضمير المحذوف من " ترك " أي: مِمَّا تركه قليلاً أو كثيراً أو مستقراً مِمَّا قل. و " نصيباً " فيه أوجهٌ أحدها: أن ينتصِبَ على أنه واقعٌ موقعَ المصدر، والعاملُ فيه معنى ما تقَّدم، إذ التقديرُ: عطاءً أو استحقاقاً، وهذا معنى قولِ مَنْ يقولُ منصوبٌ على المصدرِ المؤكد. قال الزمخشري: " كقوله:{ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } [النساء: 11] كأنه قيل: قسمةً مفروضةً ". وقد سَبَقه الفراء إلى هذا قال: " نُصِبَ لأنه أُخْرِج مُخْرَج المصدرِ، ولذلكَ وَحَّده كقولك: " له عليَّ كذا حقاً لازماً " ونحوه: { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } ولو كان اسماً صحيحاً لم يُنْصَبْ، لا تقول: " لك عليَّ حق درهماً ". الثاني: أنه منصوبٌ على الحال، ويُحتمل أن يكونَ صاحبُ الحال الفاعلَ في " قَلَّ أو كَثُر " ، ويُحتمل أن يكونَ " نصيب " وإن كان نكرة لتخصُّصِه: إمَّا بالوصفِ وإمَّا بالعمل، والعاملُ في الحال الاستقرارُ الذي في قوله: " للرجالِ ". وإلى نصبِه حالاً ذهب الزجاج ومكي، قالا: " المعنى لهؤلاءِ أَنْصِباء على ما ذكرناها في حالِ الفرض ". الثالث: أنه منصوبٌ على الاختصاص، بمعنى: أعني نصيباً، قاله الزمخشري. قال الشيخ: إنْ عنى الاختصاصَ المصطلحَ عليه فهو مردودٌ بكونِه نكرةً، وقد نَصُّوا على اشتراطِ تعريفِه ". الرابع: النصبُ بإضمار فعلٍ أي: أُوجبت ـ أو جُعِلت ـ لهم نصيباً. الخامس: أنه مصدرٌ صريحٌ أي: نَصَبْتُه نصيباً.