الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً }

قوله تعالى: { مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ }: فيه أربعةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنه بيانٌ للذين أَنْعَم الله عليهم. والثاني: أنه حالٌ من الضميرِ المجرور في " عليهم " ، والثالث: أنه حالٌ من الموصولِ وهو في المعنى كالأول، وعلى هذين الوجهين فيتعلَّق بمحذوفٍ أي: كائنين من النبيين. والرابع: أن يتعلَّق بـ " يُطِعِ " قال الراغب: " اي: ومَنْ يُطِع الله والرسول من النبيين ومن بعدهم، ويكونُ قوله: { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } إشارةً إلى الملأ الأعلى، ثم قال: { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } ويُبَي‍ِّن ذلك قولُه عليه السلام عند الموت: " اللهم أَلْحِقْني بالرفيق الأعلى " وهذا ظاهرٌ " انتهى. وقد أفسده الشيخ من جهة لامعنى ومن جهة الصناعة. أمَّا مِنْ جهةِ المعنى فلأِنَّ الرسولَ هنا هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وقد أَخْبَرَ تعالى أنه مَنْ يُطِعِ الله ورسوله فهو مع ذُكر، ولو جُعل " مِن النبيين " متعلِّقاً بـ " يُطِع " لكان " من النبيين " تفسيراً لـ " مَنْ " الشرطية " فيلزم أن يكونَ في زمانه عليه السلام أو بعده أنبياءُ يطيعونه، وهذا غيرُ ممكنٍ لقوله تعالى:وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ } [الأحزاب: 30] وقوله عليه السلام: " لا نبيَّ بعدي " وأمَّا مِنْ جهةِ الصناعةِ فلأِنَّ ما قبل الفاء الواقعةِ جواباً للشرط لا يعمل فيما بعدها، لو قلت: " إنْ تضرب يقم عمروٌ زيداً لم يَجُزْ " وهل هذه الأوصافُ الأربعةُ لصنفٍ واحدٍ من الناس أو لأصنافٍ مختلفة؟ قولان.

قوله: { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } في نصبِ " رفيقاً " قولان، أحدهما: أنه تمييزٌ، والثاني: أنه حالٌ، وعلى تقديرِ كونِه تمييزاً في احتمالان، أحدُهما: أن يكونَ منقولاً من الفاعلية وتقديرهُ: " وحِسُنَ رفيقُ أولئك " فالرفيقُ على هذا غيرُ المميِّز، ولا يجوزُ دخولُ " مِنْ " عليه.

والثاني: ألاَّ يكونَ منقولاً، فيكونُ نفسَ المميِّز، وتدخل عليه " مِنْ " وإنما أتى به هنا مفرداً لأحدِ معنيين: إمَّا لأنَّ الرفيقَ كالخليطِ والصديق في وقوعِها على المفردِ والمثنى والمجموع بلفظٍ واحدٍ، وإمَّا اكتفاءً بالواحد عن الجمعِ لفَهْمِ المعنى، وحَسَّن ذلك كونُه فاصلةً. ويجوز في " أولئك " أن يكونَ إشارةً إلى النبيين ومَنْ بعدهم، وأَنْ يكونَ إشارةً إلى مَنْ يُطِع اللَّهَ ورسولَه، وإنَّما جَمَع على معناها، وعلى هذا فيُحتمل أَنْ يقال: إنه راعى لفظ " مَنْ " فأفردَ في قوله " رفيقاً " ومعناها فجمع في قوله " أولئك " ، إلا أن البَداءَةَ في ذلك بالحَمْل على اللفظ أحسنُ، وعلى هذا فيكونُ قد جَمَعَ فيها بين الحملِ على اللفظ في " يُطِعْ " ثم على المعنى في " أولئك " ثم على اللفظ في " رفيقاً ".

السابقالتالي
2