الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

قوله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ }: في هذه المسألةِ أربعة أقوال، أحدها: ـ وهو قول ابن جرير ـ أنَّ " لا " الأولى رَدٌّ لكلام تقدَّمها، تقديرُه: " فلا تعقِلون، أو: ليس الأمرُ كما يزعمون من أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف قسماً بعد ذلك، فعلى هذا يكون الوقف على " لا " تاماً. الثاني: أن " لا " الأولى قُدِّمَتْ على القسم اهتماماً بالنفي، ثم كُرِّرت توكيداً، وكان يَصِحُّ إسقاطُ الأولى ويبقى [معنى] النفي ولكن تفوتُ الدلالةُ على الاهتمامِ المذكورِ، وكان يَصِحُّ إسقاطُ الثانيةِ ويبقى معنى الاهتمامِ، ولكن تفوتُ الدلالةُ النفي، فجُمع بينهما لذلك. الثالث: أن الثانيةَ زائدةٌ، والقَسَمُ معترِضٌ بين حرفِ النفي والمنفي، وكأنَّ التقديرَ: فلا يؤمنون وربِّك. الرابع: أن الأولى زائدة، والثانيةَ غيرُ زائدةٍ، وهو اختيارُ الزمخشري فإنه قال: " لا " مزيدةٌ لتأكيد معنى القسم كما زيدت فيلِّئَلاَّ يَعْلَمَ } [الحديد: 29] لتأكيدِ وجوبِ العلمِ، و " لا يؤمنون " جوابُ القسم، فإنْ قلت: هَلاَّ زعمت أنها زِيدت لتظاهر " لا " في " لا يؤمنون " قلت: يأبى ذلك استواءُ النفيِ والإثبات فيه، وذلك قوله:فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [الحاقة: 38] يعني أنه قد جاءت " لا " قبل القسم حيث لم تكن " لا " موجودةً في الجواب، فالزمخشري يرى ان " لا " في قوله تعالى:فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُون } [الحاقة: 38] أنها زائدةٌ أيضاً لتأكيدِ معنى القسم، وهو أحدُ القولين، والقولُ الآخر كقول الطبري المتقدم، ومثلُ الآية في التخاريج المذكورة قولُ الآخر:
1603ـ فلا واللَّهِ لا يُلْفَى لِما بي   ولا لَلِما بهم أبداً دواءُ
قوله { حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ }: " حتى " غايةٌ متعلقة بقوله " لا يؤمنون " أي: ينتفي عنهم الإيمانُ إلى هذه الغاية وهي تحكيمك وعدمُ وجدانِهم الحرجَ وتسليمُهم لأمرك. والتفت في قوله " ربِّك " من الغَيْبة في قوله { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } رجوعاً إلى قوله " ثم جاؤوك " وقرأ أبو السَّمَّال: " شَجْر " بسكون الجيم هرباً من توالي الحركات وهي ضعيفةٌ، لأنَّ الفتحَ أخو السكون. و " بينهم " ظرف منصوب بـ " شجر " هذا هو الصحيح، وأجاز أبو البقاء فيه أن يكونَ حالاً وجعل في صاحب هذه الحال احتمالين، أحدُهما: أن يكون حالاً من " ما " الموصولة، والثاني: أنه حال من فاعل " شجر " وهو نفس الموصول أيضاً في المعنى، فعلى هذا يتعلق بمحذوف، و " ثم لا يجدوا " عطفٌ على ما بعد " حتى " ، " ويَجِدُوا " يَحْتمل أن تكون المتعديةَ لاثنين، فيكونُ الأول " حرجاً " والثاني الجارُّ قبلَه فيتعلَّقُ بمحذوف، وأن تكونَ المتعدية لواحد فيجوز في " في أنفسهم " وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ " يجدوا " تعلُّقَ الفَضَلات.

السابقالتالي
2