الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { لِيُطَاعَ } هذه لام كي، والفعل بعدها منصوب بإضمار " أن " وهذا استثناءٌ مفرغ من المفعول له، والتقدير: وما أرسلنا من رسولٍ لشيءٍ من الأشياء إلا للطاعة. " وبإذن الله " فيه ثلاثة أوجه، أحدهما: [أنه] متعلقٌ بـ " يُطاع " ، والباء للسببية، وإليه ذهب أبو البقاء، قال: " وقيل: هو مفعولٌ به أي: بسبب أمر الله ". الثاني: أن يتعلق بـ " أرسلنا " أي: وما أَرْسلنا بأمر الله أي: بشريعته. الثالث: أن يتعلق بمحذوف على أنه حالٌ من الضمير في " يطاعَ " ، وبه بدأ أبو البقاء. وقال ابن عطية: " وعلى التعليقين: أي: تعليِقِه بـ " يُطاعَ " أو بـ " أَرْسلنا " فالكلامُ عامُّ اللفظِ خاصُّ المعنى؛ لأنَّا نقطعُ أن الله تعالى قد أراد من بعضِهم ألاَّ يُطيعوه، ولذلك تَأوَّلَ بعضُهم الإِذنَ بالعلم وبعضُهم بالإِرشاد " قال الشيخ: " ولا يُحتاج لذلك لأن قوله " عامُّ اللفظ " ممنوعُ، وذلك أن " يُطاع " مبني للمفعول، فيقدَّر ذلك الفاعلُ المحذوفَ خاصاً، وتقديره: " إلا ليطيعَه مَنْ أراد اللَّهُ طاعتَه ".

قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ } قد تقدَّم الكلامُ على " أنَّ " الواقعةِ بعد " لو " و " إذ " ظرفٌ معمولٌ لخبر " أنَّ " وهو " جاؤوك " وقال: { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } ولم يَقُلْ " واستغفرت " خروجاً من الخطاب إلى الغَيْبة؛ لِما في هذا الاسم الظاهر من التشريفِ والتنويه بوصف الرسالة. و " وجَد " هنا يُحْتَملُ أن تكونَ العِلْمية فتتعدى لاثنين، والثاني " تواباً " وأن تكون غيرَ العِلْمية فتتعدى لواحد، ويكون " تواباً " حالاً. وأمَّا " رحيماً " فيحتمل أن يكون حالاً من ضمير " تَوَّاباً " وأن يكون بدلاً من " تواباً " ويُحتمل أن يكونَ خبراً ثانياً في الأصل بناء على تعدُّد الخبر وهو الصحيح، فلمَّا دخل الناسخُ نُصِبَ الخبرُ المتعدد تقول: " زيدٌ فاضلٌ شاعرٌ فقيه عالم " ثم تقول: " علمتُ زيدا فاضلاً شاعراً فقيهاً عالماً " إلا أنه لا يَحْسُن أن يقال هنا: " وشاعراً: مفعول ثالث، وفقيهاً: رابع، وعالماً: خامس ".