الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }

{ يَزْعُمُونَ }: مثلُ ظنَّ وأخواتها بشرطِ ألاَّ تكونَ بمعنى كَفِل ولا كذب ولا سَمِن ولا هَزَل، و " أنَّ سادَّةٌ مسدَّ مفعوليها،. وقرأ الجمهور: " أُنْزل إليك وما أُنْزل من قبلك " مبنياً للمفعول، وقرئا مبنيين للفاعل وهو الله تعالى. والزعم - بفتح الزاي وضمها وكسرها - مصدرُ زَعَم، وهو قولٌ يقترن به اعتقاد ظني قال:
1599ـ فإنْ تَزْعُميني كنتُ أجهلُ فيكُمُ   فإني شَرَيْتُ الحِلْمَ بعدَك بالجَهْل
قال ابنُ دريد: " أكثرُ ما يقع على الباطل " وقال عليه السلام: " بئس مطيةُ الرجلِ زعموا " وقال الأعشى:
1600ـ ونُبِّئْتُ قيساً ولم أَبْلُه   كما زعموا خيرَ أهلِ اليمنْ
فقال الممدوح: " وما هو إلا الزعم " وحرمه ولم يُعْطِه شيئاً. [وذكر صاحبُ " العين " أنها تقع غالباً على " أنَّ " قال: " وقد تقع في الشعر على الاسم " وأنشد بين أبي ذؤيب، وقول الآخر]:
1601ـ زَعَمَتْني شيخاً ولستُ بشيخٍ   إنما الشيخُ مَنْ يَدِبُّ دبيباً
وتكون " زعم " بمعنى " ظَنَّ " فتتعدَّى لاثنين، وبمعنى " كفِل " فتتعدى لواحد، ومنهوَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [يوسف: 72] وبمعنى " رَأس " وبمعنى سَمِن " و " هَزَل " فلا تتعدى.

قوله: { يُرِيدُونَ } حالٌ من فاعل " يَزْعُمون " أو من " الذين يزعمون " وقوله: { وَقَدْ أُمِرُوۤاْ } حال من فاعل " يريدون " فهما حالان متداخلان، و " أن يكفروا " في محلِّ نصب فقط إنْ قَدَّرْتَ تعدية " أمر " إلى الثاني بنفسِه، وإلا ففيها الخلافُ المشهور، والضمير في " به " عائد على الطاغوت، وقد تقدَّم أنه يُذَكَّر ويؤنث، وما قال الناس فيه في البقرة. وقرأ عباس بن الفضل: " ان يكفُروا بهنَّ " بضمير جميع التأنيث.

قوله: { أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً } في " ضلالاً " ثلاثة أقوال، أحدهما: أنه مصدر على غير الصدر نحو:أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 3] والأصل " إضلال " و " إنبات " فهو اسمٌ مصدر لا مصدر. والثاني: أنه مصدرٌ لمطاوع " أَضلَّ " أي: أضَلَّهم فضلُّوا ضلالاً. والثالث: أن يكون من وَضْعِ أحد المصدرين موضعَ الآخر. وقد تقدم الكلامُ على " تعالوا " في آل عمران وما قال الناس فيها، وقراءةِ الحسن وتوجيهِها فعليك بالالتفات إليه.