الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

قوله تعالى: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ }: فيه وجهان، أحدهما: أن في الكلامِ حَذْفَ مضافٍ تقديرُه: مواضعَ الصلاة، والمراد بمواضعها المساجدُ، ويؤيدُ هذا قولُه بعد ذلك: { إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } في أحد التأويلين. والثاني: أنه لا حذفَ، والنهي عن قربان نفسِ الصلاة في هذه الحالة.

قوله: { وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } مبتدأٌ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تقربوا ". وقرأ الجمهورُ: " سُكارى " بضم السين وألف بعد الكاف، وفيه قولان، أحدهما: ـ وهو الصحيح ـ أنه جمع تكسير، نص عليه سيبويه، قال: " وقد يُكَسِّرون بعضَ هذا على فُعالى، وذلك كقولِ بعضِهم " سُكارى " " وعُجالى ". والثاني: أنه اسمُ جمع، وزعم ابنُ الباذش أنه مذهب سيبويه، قال: " وهو القياسُ لأنه لم يأت من أبنيةِ الجمع شيءٌ على هذا الوزن ". وذكر السيرافي الخلافَ، ورجَّح كونه تكسيراً.

وقرأ الأعمش: " سُكْرى " بضم السين وسكون الكاف/، وتوجيهُها أنها صفةٌ على فُعْلى كحُبْلى، وقعت صفةً لجماعةٍ أي: وأنتم جماعةٌ سُكْرى. وحَكى جناح بن حبيش: " كُسْلى وكَسْلى " بضم الكاف وفتحها. قاله الزمخشري. وقرأ النخعي: " سَكْرى " بفتح السين وسكون الكاف، وهذه تحتمل وجهين، أحدُهما: ما تقدَّم في القراءة قبلها وهو أنها صفةٌ مفردةٌ على فَعْلى كامرأةٍ سَكْرى وُصِفَ بها الجماعة. والثاني: أنها جمعُ تكسيرٍ كجَرْحى ومَوْتى وهَلْكى، وإنما جَمْعُ سَكْران على " فَعْلى " حملاً على هذه؛ لِما فيه من الآفةِ اللاحقةِ للفعلِ، وقد تقدَّم لك شيء من هذا في قولهِ في البقرة عند قولِه:وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ } [الآية: 85]، وقُرىء " سَكارى " بفتحِ السينِ، والألفِ، وهذا جمعُ تكسيرِ نحو: نَدْمان ونَدامى وعَطْشان وعَطاشَى.

والسُّكْر لغةً: السَّدُّ، ومنه قيل لِما يَعْرِضُ للمرءِ مِنْ شرب المُسْكِر؛ لأنه يَسُدُّ مابين المرء وعقله، وأكثرُ ما يقال السُّكْرُ لإِزالة العقلِ بالمُسكِر، وقد يُقال ذلك لإِزالتِه بغضبٍ ونحوِه من عشقٍ وغيرِه قال:
1586ـ سُكْرانِ سُكْرُ هوىً وسُكْرُ مُدامَةٍ     أنَّى يُفيقُ فتىً به سُكْرانِ
والسَّكْرُ ـ بالفتح وسكون الكاف ـ حَبْسُ الماءِ، وبكسرِ السينِ نفسُ الموضعِ المسدودِ، وأمَّا " السَّكَر " بفتحهما فما يُسْكَرُ به من المشروبِ، ومنهسَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } [النحل: 67]، وقيل: السُّكْر ـ بضمِّ السين وسكون الكاف ـ السَّدُّ أي: الحاجزُ بين الشيئين قال:
1587ـ فما زِلْنَا على السُّكْرِ     نُداوي السُّكْرِ بالسُّكْرِ
والحاصلُ: أنَّ أصلَ المادة الدلالةُ على الانسدادِ، ومنه " سَكِرتْ عينُ البازي " إذا خالَطَها نومٌ، و " سَكِر النهرُ " إذا لم يَجْرِ، وسَكَرْتُه أنا.

قوله: { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ } " حتى " جارةٌ بمعنى " إلى " ، فهي متعلقة بفعلِ النهي، والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار " أَنْ " ، وتقدَّم تحقيقُه.

السابقالتالي
2 3