قوله تعالى: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ }: فيه وجهان، أحدهما: أن في الكلامِ حَذْفَ مضافٍ تقديرُه: مواضعَ الصلاة، والمراد بمواضعها المساجدُ، ويؤيدُ هذا قولُه بعد ذلك: { إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } في أحد التأويلين. والثاني: أنه لا حذفَ، والنهي عن قربان نفسِ الصلاة في هذه الحالة. قوله: { وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } مبتدأٌ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تقربوا ". وقرأ الجمهورُ: " سُكارى " بضم السين وألف بعد الكاف، وفيه قولان، أحدهما: ـ وهو الصحيح ـ أنه جمع تكسير، نص عليه سيبويه، قال: " وقد يُكَسِّرون بعضَ هذا على فُعالى، وذلك كقولِ بعضِهم " سُكارى " " وعُجالى ". والثاني: أنه اسمُ جمع، وزعم ابنُ الباذش أنه مذهب سيبويه، قال: " وهو القياسُ لأنه لم يأت من أبنيةِ الجمع شيءٌ على هذا الوزن ". وذكر السيرافي الخلافَ، ورجَّح كونه تكسيراً. وقرأ الأعمش: " سُكْرى " بضم السين وسكون الكاف/، وتوجيهُها أنها صفةٌ على فُعْلى كحُبْلى، وقعت صفةً لجماعةٍ أي: وأنتم جماعةٌ سُكْرى. وحَكى جناح بن حبيش: " كُسْلى وكَسْلى " بضم الكاف وفتحها. قاله الزمخشري. وقرأ النخعي: " سَكْرى " بفتح السين وسكون الكاف، وهذه تحتمل وجهين، أحدُهما: ما تقدَّم في القراءة قبلها وهو أنها صفةٌ مفردةٌ على فَعْلى كامرأةٍ سَكْرى وُصِفَ بها الجماعة. والثاني: أنها جمعُ تكسيرٍ كجَرْحى ومَوْتى وهَلْكى، وإنما جَمْعُ سَكْران على " فَعْلى " حملاً على هذه؛ لِما فيه من الآفةِ اللاحقةِ للفعلِ، وقد تقدَّم لك شيء من هذا في قولهِ في البقرة عند قولِه:{ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ } [الآية: 85]، وقُرىء " سَكارى " بفتحِ السينِ، والألفِ، وهذا جمعُ تكسيرِ نحو: نَدْمان ونَدامى وعَطْشان وعَطاشَى. والسُّكْر لغةً: السَّدُّ، ومنه قيل لِما يَعْرِضُ للمرءِ مِنْ شرب المُسْكِر؛ لأنه يَسُدُّ مابين المرء وعقله، وأكثرُ ما يقال السُّكْرُ لإِزالة العقلِ بالمُسكِر، وقد يُقال ذلك لإِزالتِه بغضبٍ ونحوِه من عشقٍ وغيرِه قال:
1586ـ سُكْرانِ سُكْرُ هوىً وسُكْرُ مُدامَةٍ
أنَّى يُفيقُ فتىً به سُكْرانِ
والسَّكْرُ ـ بالفتح وسكون الكاف ـ حَبْسُ الماءِ، وبكسرِ السينِ نفسُ الموضعِ المسدودِ، وأمَّا " السَّكَر " بفتحهما فما يُسْكَرُ به من المشروبِ، ومنه{ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } [النحل: 67]، وقيل: السُّكْر ـ بضمِّ السين وسكون الكاف ـ السَّدُّ أي: الحاجزُ بين الشيئين قال:
1587ـ فما زِلْنَا على السُّكْرِ
نُداوي السُّكْرِ بالسُّكْرِ
والحاصلُ: أنَّ أصلَ المادة الدلالةُ على الانسدادِ، ومنه " سَكِرتْ عينُ البازي " إذا خالَطَها نومٌ، و " سَكِر النهرُ " إذا لم يَجْرِ، وسَكَرْتُه أنا. قوله: { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ } " حتى " جارةٌ بمعنى " إلى " ، فهي متعلقة بفعلِ النهي، والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار " أَنْ " ، وتقدَّم تحقيقُه.