الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً }

قوله تعالى: { فَكَيْفَ }: فيها ثلاثة أقوال، أحدها: أنها في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف أي: فكيف حالُهم أو صنعُهم؟ والعامل في " إذا " هو هذا المقدر. والثاني: أنها في محلِّ نصب بفعل محذوف أي: فيكف تكونون أو تَصْنَعون؟ ويَجْري فيها الوجهان: النصب على التشبيه بالحالِ كما هو مذهبُ سيبويه، أو على التشبيه بالظرفية كما هو مذهب الأخفش، وهو العاملُ في " إذا " أيضاً. والثالث: ـ حكاه ابن عطية عن مكي ـ أنها معمولةٌ لـ " جئنا " ، وهذا غلط فاحش.

قوله: { مِن كُلِّ } فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ " جئنا ". والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " شهيد " ، وذلك على رأي مَنْ يجوُّزُ تقديمَ حالِ المجرور بالحرف عليه، وقد تقدم تحريره. والمشهودُ عليه محذوفٌ أي: بشهيد على أمته/.

والمِثْقال: مِفْعَال من الثِّقَل وهو زِنَةُ كل شيء، والذَّرَّة: النملة الصغيرة، وقيل: رأسُها، وقيل: الخَرْدَلة، وقيل: جزء الهَباءَة، وعن ابن عباس: أنه أَدْخَلَ يده في التراب ثم نَفَخَها وقال: " كلُّ واحدةٍ منه ذرةٌ " والأولُ هو المشهور؛ لأن النملة يُضْرَبُ بها المثل في القلة، وأصغرُ ما تكون إذا مَرَّ عليها حَوْلٌ، قالوا لأنها حينئذ تَصْغُر جداً، قال حسان:
1584ـ لو يَدِبُّ الحَوْلِيُّ مِنْ وَلَدِ الذَّرْ     رِ عليها لأنْدَبَتْها الكُلُومُ
وقال امرؤ القيس:
1585ـ مِن القاصِراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ     من الذَرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا
قوله تعالى: { وَجِئْنَا بِكَ } في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجه، أظهرها: أنها في محل جر عطفاً على " جئنا " الأولى أي: فكيف تصنعون في وقت المجيئين؟. والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال، و " قد " مرادةٌ معها، والعامل فيها " جئنا " الأولى أي: جئنا من كل أمة بشهيد وقد جئنا، وفيه نظر. والثالث: أنها مستأنفة فلا محل لها. قال أبو البقاء: " ويجوزُ أن يكونَ مستأنفاً، ويكون الماضي بمعنى المستقبل ". انتهى. وإنما احتاج إلى ذلك لأنَّ المجيءَ بعدُ لم يقع، فادَّعى ذلك، والله أعلم. و { عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ } متعلق بـ " شهيداً " و " على " على بابها وقيل: هي بمعنى اللام وفيه بُعْدٌ، وأجيز أن تكون " على " متعلقةً بمحذوف على أنها حالٌ من " شهيداً " ، وفيه بُعْدٌ، و " شهيداً " حالٌ من الكاف في " بك ".