الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً }

قوله: { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ }: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون مرفوعاً عطفاً على " الذين يبخلون " والخبر { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ } ، وقد تقدم ذلك وضَعْفُه. الثاني: أنه مجرور عطفاً على " الكافرين " أي: أعتدنا للكافرين وللذين ينفقون أموالهم رئاءَ الناس، قاله ابن جرير. الثالث: أنه مبتدأُ وخبرهُ محذوف أي: مُعَذَّبون، أو: قرينهم الشيطان، فعلى الأوَّلين يكونُ من عطفِ المفردات، وعلى الثالث مِنْ عطفِ الجمل.

قوله: { رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مفعول من أجله، وشروطُ النصب متوفرة. والثاني: أنه حالٌ من فاعل " ينفقون " يعني مصدراً واقعاً موقعَ الحال أي: مُرائين. والثالث: أنه حالٌ من نفسِ الموصولِ ذكره المهدوي. و " رئاءَ " مصدرٌ مضاف إلى المفعول.

قوله: { وَلاَ يُؤْمِنُونَ } فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مستأنف. والثاني: أنه عطف على الصلة، وعلى هذين الوجهين فلا محلَّ له من الإِعراب. والثالث: أنه حالٌ من فاعل " ينفقون ". إلا أن هذين الوجهين الأخيرين ـ أعني العطفَ على الصلة والحالية ـ يمتنعان على الوجه المحكي عن المهدوي، وهو كونُ " رئاءَ " حالاً من نفس الموصول؛ لئلا يلزَم الفصلُ بين أبعاضِ الصلة أو بين الصلةِ ومعمولِها بأجنبي وهو " رثاءَ "؛ لأنه حالٌ من الموصولِ لا تعلُّقَ له بالصلة، بخلاف ما إذا جَعَلْناه مفعولاً له أو حالاً من فاعل " ينفقون " فإنه على الوجهين معمولٌ لـ " ينفقون " فليس أجنبياً، فلم يُبالَ بالفصل به.

وفي جَعْلِ { وَلاَ يُؤْمِنُونَ } حالاً نظرٌ من حيث/ إنَّ بعضَهم نصَّ على أن المضارع المنفيَّ بـ " لا " كالمثبت في أنه لا تدخل عليه واو الحال، وهو محلُّ تَوَقُّف. وكررت " لا " في قوله: " ولا باليوم " وكذا الباء إشعاراً بأن الإِيمان منتفٍ عن كلِّ على حِدَتِه لو قلت: " لا أضرب زيداً وعمراً " احتمل نفيَ الضرب عن المجموع، ولا يلزم منه نفيُ الضربِ عن كلِّ واحدٍ على انفراده، واحتمل نفيَه عن كل واحد بانفرادِه، فإذا قلت: " ولا عمراً " تعيَّن هذا الثاني.

قوله: { فَسَآءَ قِرِيناً } في " ساء " هذه احتمالان أحدهما: أنها نُقِلَتْ إلى الذمِّ فجرت مَجْرىٰ " بئس " ، ففيها ضميرٌ فاعل لها مفسَّرٌ بالنكرة بعده، وهي " قريناً " ، والمخصوصُ بالذم محذوف أي: فساء قريناً هو، وهو عائدٌ: إما على الشيطان وهو الظاهر، وإما على " من " وقد تقدَّم حكمُ نعم وبئس. والثاني: أنها على بابها فهي متعدية ومفعولُها محذوفٌ، و " قريناً " على هذا منصوبٌ على الحال أو على القطع، والتقديرُ: فساءَه أي: فساءَ الشيطانُ مُصَاحِبَه.

السابقالتالي
2