الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً }

قوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ }: في هذه الجملة احتمالان أحدهما: ـ وهو الأصحُّ ـ أنها مستأنفة لا محل لها من الإِعراب. والثاني: أنها حالٌ من قوله: { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ } العامل فيها " يريد " أي: واللهُ يريدُ أن يتوبَ عليكم يريد أن يخفف عنكم. وفي هذا الإِعرابِ نظرٌ من وجهين، أحدُهما: أنه يؤدِّي إلى الفصل بين الحال وبين عاملها بجملةٍ معطوفة على جملةِ العامل في الحال ضِمْنَ تلك الجملة المعطوف عليها، والجملةُ المعطوفة وهي " ويريد الذين يتبعون " جملةٌ أجنبية من الحال وعامِلها. والثاني: أن الفعل الذي وقع حالاً رفع الاسم الظاهرَ فوقعَ الربطُ بالظاهر، لأنَّ " يريد " رفَعَ اسم الله/ وكان من حقه أن يرفع ضميرَه، والربطُ بالظاهر إنما وقع في الجملة الواقعة خبراً أو صلة، أما الواقعةُ حالاً وصفةً فلا، إلا أَنْ يَرِدَ به سماع، ويصير هذا الإِعراب نظيرَ: " بكر يخرج يضربُ بكر خالداً ". ولم يذكر مفعولَ التخفيف فهو محذوفٌ فقيل: تقديرُه: يخفف عنكم تكليفَ النظرِ وإزالةَ الحيرة. وقيل: إثمَ ما ترتكبون.

قوله: " ضعيفاً " في نصبه أربعة أوجه، الأظهر: أنه حال من " الإِنسان " وهي حال مؤكدة. الثاني: أنه تمييز قالوا: لأنه يَصْلُح لدخول " مِنْ " وهذا غلط. الثالث: أنه على حذف حرف الجر، والأصل: خُلِق من شيء ضعيف أي: من ماء مهين أو من نطفة، فلما حُذف الموصوف وحرف الجر وَصَل الفعل إليه بنفسه فنصبه. والرابع: ـ وإليه أشار ابن عطية ـ أنه منصوبٌ على أنه مفعول ثان بـ " خلق " ، قالوا: ويَصِحُّ أن يكون " خُلِق " بمعنى " جُعِل " فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى مفعولين، فيكون قوله " ضعيفاً " مفعولاً ثانياً، وهذا الذي ذكره غريبٌ لم نرهم نصُّوا على أن " خلق " يكون كـ " جعل " فيتعدى لاثنين مع حَصْرهم للأفعال المتعدية لاثنين، بل رأيناهم يقولون: إن " جعل " إذا كانت بمعنى " خلق " تَعَدَّتْ لواحد.