الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ }: " مَنْ " شرطية وهو الظاهر، ويجوز أن تكون موصولةً. وقوله: " فممَّا ملكت ": إمَّا جوابُ الشرط وإما خبر الموصول، وشروطُ دخولِ الفاء في الخبر موجودةٌ. و " منكم " في محل نصبٍ على الحال مِنْ فاعل " يستطِعْ ".

وفي نَصْب " طَوْلاً " ثلاثة أوجه أظهرها: أنه مفعول بـ " يستطع " ، وفي قوله: " أن ينكحَ " على هذا ثلاثة أقوال، القول الأول: أنه في محلِّ نصب بـ " طَوْلاً " على أنه مفعولٌ بالمصدر المنون؛ لأنه مصدر " طُلْت الشيء " أي: نِلْتُه، والتقدير: ومن لم يستطع أن ينال نكاح المحصنات. ومثلُه قول الفرزدق:
1573ـ إن الفرزدق صخرةٌ ملمومَةٌ     طالَتْ فليسَ ينالها الأوعالا
أي: طالت الأوعال فلم تَنَلْها، وإعمالُ المصدر المنون كثير، قال:
1574ـ بضربٍ بالسيوف رؤوسَ قومٍ     أَزَلْنا هامَهُنَّ عن المَقيل
وقولُ الله تعالى:أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا } [البلد: 14-15]، وهذا الوجه ذهب [إليه] الفارسيّ.

القول الثاني: أنَّ " أَنْ ينكحَ " بدلٌ من " طَوْلاً " بدلُ الشيء من الشيء؛ لأنَّ الطَّوْل هو القدرةُ أو الفَصْلُ، والنكاحُ قدرةٌ وفَصْلٌ.

القول الثالث: أنَّه على حذفِ حرفِ الجر، ثم اختلف هؤلاء: فمنهم مَنْ قَدَّره بـ " إلى " أي: طَوْلاً إلى أن ينكحَ، ومنهم مَنْ قَدَّره باللام، أي: لأنْ ينكِحَ، وعلى هذين التقديرين فالجارُّ في محل الصفة لـ " طَوْلاً " فيتعلق بمحذوفٍ، ثم لَمَّا حُذِفَ حرفُ الجر جاء الخلاف المشهور في محل " أَنْ " أنصبُ هو أم جر؟ وقيل: اللامُ المقدرة مع " أنْ " هي لامُ المفعول من أجله أي: طَوْلاً لأجل نكاحِهِنَّ.

الوجه الثاني مِنْ نصب " طولاً " أن يكونَ مفعولاً له على حذف مضافٍ أي: ومَنْ لم يستطعْ منكم لعدمِ طَوْل نكاح المحصنات، وعلى هذا فـ " أن ينكح " مفعولٌ " يستطع " أي: ومَنْ لم يستطِعْ نِكاح المحصناتِ لعدمِ الطَّوْل.

الوجه الثالث: أن يكونَ منصوباً على المصدر، قال ابن عطية: " ويَصِحُّ أن يكونَ " طَوْلاً " نصباً على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة لأنهما بمعنى، و " أن ينكح " على هذا مفعولٌ بالاستطاعة أو بالمصدر " يعني أن الطَّوْل هو استطاعةٌ في المعنى فكأنه قيل: ومَنْ لم يستطع منكم استطاعةً.

قوله: " فممَّا " الفاء قد تقدم أنها: إمَّا جوابُ الشرط، وإما زائدةٌ في الخبر على حَسَب القولين في " مَنْ ". وفي هذه الآية سبعة أوجه، أحدها: أنها متعلقة بفعل مقدر بعد الفاء تقديره: فلينكحْ مِمَّا مَلَكَتْه أيمانكم، و " ما " على هذا موصولةٌ بمعنى الذي، أي: النوعَ الذي ملكته، ومفعولُ ذلك الفعل المقدر محذوف تقديره: فلينكح امرأة أو أَمَةً مِمَّا ملكته أيمانكم، فـ " مما " في الحقيقة متعلق بمحذوف؛ لأنه صفة لذلك المفعولِ المحذوفِ، و " مِنْ " للتبعيض نحو: أكلت من الرغيف، و " من فتياتكم " في محل نصب على الحال من الضمير المقدر في " مَلَكَتْ " العائدِ على " ما " الموصولة، و " المؤمناتِ " صفةٌ لـ " فتياتِكم ".

السابقالتالي
2 3 4