قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ }: " مَنْ " شرطية وهو الظاهر، ويجوز أن تكون موصولةً. وقوله: " فممَّا ملكت ": إمَّا جوابُ الشرط وإما خبر الموصول، وشروطُ دخولِ الفاء في الخبر موجودةٌ. و " منكم " في محل نصبٍ على الحال مِنْ فاعل " يستطِعْ ". وفي نَصْب " طَوْلاً " ثلاثة أوجه أظهرها: أنه مفعول بـ " يستطع " ، وفي قوله: " أن ينكحَ " على هذا ثلاثة أقوال، القول الأول: أنه في محلِّ نصب بـ " طَوْلاً " على أنه مفعولٌ بالمصدر المنون؛ لأنه مصدر " طُلْت الشيء " أي: نِلْتُه، والتقدير: ومن لم يستطع أن ينال نكاح المحصنات. ومثلُه قول الفرزدق:
1573ـ إن الفرزدق صخرةٌ ملمومَةٌ
طالَتْ فليسَ ينالها الأوعالا
أي: طالت الأوعال فلم تَنَلْها، وإعمالُ المصدر المنون كثير، قال:
1574ـ بضربٍ بالسيوف رؤوسَ قومٍ
أَزَلْنا هامَهُنَّ عن المَقيل
وقولُ الله تعالى:{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا } [البلد: 14-15]، وهذا الوجه ذهب [إليه] الفارسيّ. القول الثاني: أنَّ " أَنْ ينكحَ " بدلٌ من " طَوْلاً " بدلُ الشيء من الشيء؛ لأنَّ الطَّوْل هو القدرةُ أو الفَصْلُ، والنكاحُ قدرةٌ وفَصْلٌ. القول الثالث: أنَّه على حذفِ حرفِ الجر، ثم اختلف هؤلاء: فمنهم مَنْ قَدَّره بـ " إلى " أي: طَوْلاً إلى أن ينكحَ، ومنهم مَنْ قَدَّره باللام، أي: لأنْ ينكِحَ، وعلى هذين التقديرين فالجارُّ في محل الصفة لـ " طَوْلاً " فيتعلق بمحذوفٍ، ثم لَمَّا حُذِفَ حرفُ الجر جاء الخلاف المشهور في محل " أَنْ " أنصبُ هو أم جر؟ وقيل: اللامُ المقدرة مع " أنْ " هي لامُ المفعول من أجله أي: طَوْلاً لأجل نكاحِهِنَّ. الوجه الثاني مِنْ نصب " طولاً " أن يكونَ مفعولاً له على حذف مضافٍ أي: ومَنْ لم يستطعْ منكم لعدمِ طَوْل نكاح المحصنات، وعلى هذا فـ " أن ينكح " مفعولٌ " يستطع " أي: ومَنْ لم يستطِعْ نِكاح المحصناتِ لعدمِ الطَّوْل. الوجه الثالث: أن يكونَ منصوباً على المصدر، قال ابن عطية: " ويَصِحُّ أن يكونَ " طَوْلاً " نصباً على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة لأنهما بمعنى، و " أن ينكح " على هذا مفعولٌ بالاستطاعة أو بالمصدر " يعني أن الطَّوْل هو استطاعةٌ في المعنى فكأنه قيل: ومَنْ لم يستطع منكم استطاعةً. قوله: " فممَّا " الفاء قد تقدم أنها: إمَّا جوابُ الشرط، وإما زائدةٌ في الخبر على حَسَب القولين في " مَنْ ". وفي هذه الآية سبعة أوجه، أحدها: أنها متعلقة بفعل مقدر بعد الفاء تقديره: فلينكحْ مِمَّا مَلَكَتْه أيمانكم، و " ما " على هذا موصولةٌ بمعنى الذي، أي: النوعَ الذي ملكته، ومفعولُ ذلك الفعل المقدر محذوف تقديره: فلينكح امرأة أو أَمَةً مِمَّا ملكته أيمانكم، فـ " مما " في الحقيقة متعلق بمحذوف؛ لأنه صفة لذلك المفعولِ المحذوفِ، و " مِنْ " للتبعيض نحو: أكلت من الرغيف، و " من فتياتكم " في محل نصب على الحال من الضمير المقدر في " مَلَكَتْ " العائدِ على " ما " الموصولة، و " المؤمناتِ " صفةٌ لـ " فتياتِكم ".