قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }: " أمهات " جمع " أم " فالهاءُ زائدةٌ في الجمع، فرقاً بين العقلاء وغيرهم. يقال في العقلاء: " أمهات " وفي غيرهم: " أُمَّات " كقوله:
1562ـ وأُمَّاتِ أَطْلاءٍ صغارِ.....
هذا هو المشهور، وقد يقال: " أُمَّات " في العقلاء: و " أمهات " في غيرهم وقد جَمَع الشاعر بين الاستعمالين في العقلاء فقال:
1563ـ إذا الأمَّهاتُ قَبُحْنَ الوجوهَ
فَرَجْتَ الظلامَ بأُمَّاتِكا
وقد سُمع " أُمَّهة " في " أُم " بزيادةِ هاء، بعدَها تاءُ تأنيث قال:
1564ـ أُمَّهتي خِنْدِفُ والياسُ أبي
فعلى هذا يجوزُ أن تكونَ " أمهات " جمعَ " أُمَّهة " المزيدِ فيها الهاء، والهاءُ قد أتت زائدةً في مواضع/ قالوا: هِبْلَع وهِجْرَع من البَلْعِ والجَرْع. قوله: { وَبَنَاتُكُمْ } عطفٌ على " أُمَّهاتكم ". وبنات جمع بنت، وبنت تأنيث ابن، وتقدَّم الكلامُ عليه وعلى اشتقاقِه ووزنِه في البقرة في قوله:{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } [الآية: 40]، إلا أن أبا البقاء حَكَى عن الفراء أنَّ " بنات " ليس جمعاً لـ " بنت " يعني بكسرِ الباء بل جمع " بَنة " يعني بفتحِها، قال: وكُسِرت الباء تنبيهاً على المحذوف ". قلت: هذا إنما يجيء على اعتقادِ أنَّ لامها ياء، وقد تقدم لنا خلافٌ في ذلك وأن الصحيحَ أنها واو، وحَكَى عن غيره أن أصلها: بَنوَة، وعلى ذلك جاء جمعُها ومذكرها وهو بنون، قال: " وهو مذهبُ البصريين " قلت: لا خلاف بين القولينِ في التحقيق، لأنَّ مَنْ قال: بنات جمعُ " بَنة " بفتح الباء لا بد وأَنْ يعتقد أنَّ أصلها " بَنَوة " حُذِفَت لامُها وعُوِّض منها تاءُ التأنيث، والذي قال: بنات جمع " بَنَوة " لَفَظَ بالأصل فلا خلاف. واعلم أنَّ تاء " بنت " و " أخت " تاءُ تعويضٍ عن اللام المحذوفة كما تقدَّم تقريره، وليست للتأنيثِ، ويَدُلُّ على ذلك وجهان، أحدهما: أنَّ تاء التأنيث يلزَمُ فتحُ ما قبلها لفظاً أو تقديراً نحو: ثمرة وفتاة، وهذه ساكنٌ ما قبلَها. والثاني: أنَّ تاءَ التأنيث تُبْدَلُ في الوقفِ هاء، وهذه لا تُبْدَلُ بل تُقَرُّ على حالِها. وقال أبو البقاء: " فإنْ قيل: لِمَ رُدَّ المحذوف في " أخوات " ولم يُرَدَّ في " بنات "؟ قيل: حُمِل كل واحد من الجمعين على مذكَّرِهِ، فمذكر " بنات " لم يُرَدَّ إليه المحذوف بل قالوا فيه " بنون " ، ومذكر " أخوات " رُدَّ فيه محذوفه قالوا في جمع أخ: إخْوة وإخْوان ". وهذا الذي قاله ليس بشيء لأنه أَخَذَ جمع التكسير وهو إخوة وإخوان مقابلاً لـ " أَخَوات " جمعَ التصحيح، فقال: رُدَّ في أخوات كما رُدَّ في إخوة، وهذا أيضاً موجود في " بنات "؛ لأنَّ مذكره في التكسير رُدَّ إليه المحذوف.