الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }: " أمهات " جمع " أم " فالهاءُ زائدةٌ في الجمع، فرقاً بين العقلاء وغيرهم. يقال في العقلاء: " أمهات " وفي غيرهم: " أُمَّات " كقوله:
1562ـ وأُمَّاتِ أَطْلاءٍ صغارِ.....   
هذا هو المشهور، وقد يقال: " أُمَّات " في العقلاء: و " أمهات " في غيرهم وقد جَمَع الشاعر بين الاستعمالين في العقلاء فقال:
1563ـ إذا الأمَّهاتُ قَبُحْنَ الوجوهَ     فَرَجْتَ الظلامَ بأُمَّاتِكا
وقد سُمع " أُمَّهة " في " أُم " بزيادةِ هاء، بعدَها تاءُ تأنيث قال:
1564ـ أُمَّهتي خِنْدِفُ والياسُ أبي   
فعلى هذا يجوزُ أن تكونَ " أمهات " جمعَ " أُمَّهة " المزيدِ فيها الهاء، والهاءُ قد أتت زائدةً في مواضع/ قالوا: هِبْلَع وهِجْرَع من البَلْعِ والجَرْع.

قوله: { وَبَنَاتُكُمْ } عطفٌ على " أُمَّهاتكم ". وبنات جمع بنت، وبنت تأنيث ابن، وتقدَّم الكلامُ عليه وعلى اشتقاقِه ووزنِه في البقرة في قوله:يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } [الآية: 40]، إلا أن أبا البقاء حَكَى عن الفراء أنَّ " بنات " ليس جمعاً لـ " بنت " يعني بكسرِ الباء بل جمع " بَنة " يعني بفتحِها، قال: وكُسِرت الباء تنبيهاً على المحذوف ". قلت: هذا إنما يجيء على اعتقادِ أنَّ لامها ياء، وقد تقدم لنا خلافٌ في ذلك وأن الصحيحَ أنها واو، وحَكَى عن غيره أن أصلها: بَنوَة، وعلى ذلك جاء جمعُها ومذكرها وهو بنون، قال: " وهو مذهبُ البصريين " قلت: لا خلاف بين القولينِ في التحقيق، لأنَّ مَنْ قال: بنات جمعُ " بَنة " بفتح الباء لا بد وأَنْ يعتقد أنَّ أصلها " بَنَوة " حُذِفَت لامُها وعُوِّض منها تاءُ التأنيث، والذي قال: بنات جمع " بَنَوة " لَفَظَ بالأصل فلا خلاف.

واعلم أنَّ تاء " بنت " و " أخت " تاءُ تعويضٍ عن اللام المحذوفة كما تقدَّم تقريره، وليست للتأنيثِ، ويَدُلُّ على ذلك وجهان، أحدهما: أنَّ تاء التأنيث يلزَمُ فتحُ ما قبلها لفظاً أو تقديراً نحو: ثمرة وفتاة، وهذه ساكنٌ ما قبلَها. والثاني: أنَّ تاءَ التأنيث تُبْدَلُ في الوقفِ هاء، وهذه لا تُبْدَلُ بل تُقَرُّ على حالِها. وقال أبو البقاء: " فإنْ قيل: لِمَ رُدَّ المحذوف في " أخوات " ولم يُرَدَّ في " بنات "؟ قيل: حُمِل كل واحد من الجمعين على مذكَّرِهِ، فمذكر " بنات " لم يُرَدَّ إليه المحذوف بل قالوا فيه " بنون " ، ومذكر " أخوات " رُدَّ فيه محذوفه قالوا في جمع أخ: إخْوة وإخْوان ".

وهذا الذي قاله ليس بشيء لأنه أَخَذَ جمع التكسير وهو إخوة وإخوان مقابلاً لـ " أَخَوات " جمعَ التصحيح، فقال: رُدَّ في أخوات كما رُدَّ في إخوة، وهذا أيضاً موجود في " بنات "؛ لأنَّ مذكره في التكسير رُدَّ إليه المحذوف.

السابقالتالي
2 3 4