الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

قوله تعالى: { أَن تَرِثُواْ }: في محلِّ رفعٍ على الفاعلية بـ " يَحِلُّ " أي: لا يَحِلُّ لكم إرثُ النساءِ. وقرىء " لا تَحِلُّ " بالتاء من فوق على تأويل أن ترثوا: بالوراثة، وهي مؤنثةٌ، وهذا كقراءة:ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [الأنعام: 23] بتأنيث " تكن " ونصبِ " فتنتهم " بتأويل " ثم لم تكن فتنتهم إلا مقالتُهم " ، إلا أن في آية الأنعامِ مسوغاً وهو الإِخبار عنه بمؤنث كما سيأتي.

و " النساءَ " مفعول به: إمَّا على حَذْف مضاف أي: أن ترثوا أموال النساء إنْ كان الخطاب للأزواج؛ لأنه رُوي أن الرجل منهم إذا لم يكن له غرض في المرأة أمسكها حتى تموتَ فيرثَها، أو تَفْتَدِيَ منه بمالِها إنْ لم تمت. وإما من غير حذفٍ، على معنى أن يَكُنَّ بمعنى الشيء الموروث إنْ كان الخطابُ للأولياء أو الأقرباء الميت، فقد نُقل أنه إذا مات أحدُهم وتَرَكَ امرأة وابناً من غيرها كان أحقَّ بها مِنْ نفسها. وقيل: كان الوليُّ إنْ سبق وأَلْقى عليها ثوبَه كان أحق بها، وإنْ سَبَقَتْ إلى أهلها كانت أحقَّ بنفسِها، فنُهوا أن يجعلوهُنَّ كالأشياء المواريث، وعلى ما ذكرْتُ فلا يُحتاج إلى حَذْفِ أحدِ المفعولين: إمَّا الأول أو الثاني على جَعْلِ " أن ترثوا " متعدياً لاثنين كما فعل أبو البقاء قال: " والنساءَ فيه وجهان: أحدُهما: هُنَّ المفعول الأول، والنساء على هذا هن الموروثاتُ، وكانت الجاهليةُ تَرِثُ نساء آبائهم وتقول: نحن أحقُّ بنكاحِهِنَّ. والثاني: أنه المفعول الثاني والتقدير: أن ترثوا من النساء المالَ " انتهى. قوله: " هُنَّ المفعول الأول " يعني والثاني محذوف تقديرُه: أَنْ تَرِثوا من آباءكم النساء.

و " كُرْهاً " مصدر في موضع نصب على الحال من النساء أي: أن ترثوهن كارهات أو مكرهات. وقرأ الأخوان " كرهاً " هنا وفي براءة والأحقاف بضم الكاف، وافقهما عاصم وابن عامر من رواية ابن ذكوان عنه على ما في الأحقاف، والباقون بالفتح. وقد تقدَّم الكلام في الكُره والكَره: هل هما بمعنى واحد أم لا؟ في البقرة فأغنى عن إعادته. ولا مفهومَ لقوله " كرهاً " يعني فيجوز أن يرثوهن إذا لم يَكْرَهْن ذلك لخروجه مَخْرج الغالبِ.

قوله: { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } فيه وجهان، أظهرُهما: أنه مجزوم بـ " لا " الناهية، عَطَفَ جملةَ نهي على جملةٍ خبرية، فإنْ لم تُشْترط المناسبةُ بين الجمل ـ كما مذهبُ سيبويه ـ فواضحٌ، وإن اشترطنا ذلك ـ كما هو رأيُ بعضِهم ـ فلأنَّ الجملةَ قبلَها في معنىٰ النهي، إذ التقديرُ: لا ترثِوا النساءَ كرهاً فإنه غيرُ حلالٍ لكم. وجعله أبو البقاء على هذا الوجهِ مستأنفاً، يعني أنه ليس بمعطوفٍ على الفعل قبله.

السابقالتالي
2 3 4