الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { فِي ٱلْكَلاَلَةِ }: متعلق بـ " يُفْتيكم " على إعمال الثاني، وهو اختيار البصريين، ولو أَعْمل الأولَ لأضمرَ في الثاني، وله نظائرُ في القرآن:هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } [الحاقة: 19]آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } [الكهف: 96]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } [المنافقون: 5]وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } [البقرة: 39]. وقد تقدَّم الكلام فيه بأشَبع من هذا في سورة البقرة فليراجَعْ. وتقد‍َّم أيضاً اشتقاقُ الكلالة أول هذه السورة. وقوله: { إِن ٱمْرُؤٌ } كقوله:وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ } [النساء: 128]. و " هلك " جملةٌ فعليةٌ في محلّ رفع صفة لـ " امرؤ ".

و " ليس له ولدٌ " جملةٌ في محلِّ رفعٍ أيضاً صفةً ثانية، وأجاز أبو البقاء أن تكونَ هذه الجملةُ حالاً من الضمير في " هلك " ولم يذكر غيره. ومع الزمخشري أن تكونَ حالاً، ولم يبيِّنْ العلةَ في ذلك، ولا بيَّن صاحبَ الحال أيضاً: هل هو " امرؤ " أو الضمير في " هلك "؟ قال الشيخ: " ومَنَعَ الزمخشري أن يكونَ قولُه: " ليس له ولد " جملةً حالية من الضمير في " هلك " فقال: " ومحلُّ ليس له ولد الرفعُ على الصفةِ لا النصبُ على الحال " انتهى. والزمخشري لم يَقُلْ كذلك أي: لم يمنع كونَها حالاً من الضمير في " هلك " ، بل منع حاليَّتَها على العموم كما هو ظاهرُ قوله، ويحتمل أنه أراد مَنْعَ حاليتها من " امرؤ " لأنه نكرةٌ، لكنَّ النكرة هنا قد تخصَّصت بالوصف، وبالجملةِ فالحالُ من النكرة أقلُّ مه من المعرفة والذي ينبغي امتناعُ حاليتها مطلقاً كما هو ظاهر عبارته، وذلك أنَّ هذه الجملةَ المفسِّرةَ للفعل المحذوف لا موضِعَ لها من الإِعراب فأشبهت الجملَ المؤكدة، وأنت إذا أتبعت أو أخبرتَ فإنما تريدُ ذلك الاسمَ المتقدِّمَ في الجملة المؤكدة السابقة لا ذلك الاسمَ المكرَر في الجملة الثانية التي جاءت تأكيداً، لأنَّ الجملةَ الأولى هي المقصودةُ بالحديثِ، فإذا قلت: " ضربتُ زيداً ضربت زيداً الفاضلَ " فـ " الفاضل " صفةُ " زيداً " الأول لأنه في الجملة المؤكَّدَة المقصودُ بالإِخبار، ولايَضُرُّ الفصلُ بين النعتِ والمنعوت بجملة التأكيد، فهذا المعنى يَنْفي كونَها حالاً من الضمير في " هلك " وأما ما ينفي كونَها حالاً من " امرؤ " فلِما ذكرته لك من قلةِ مجيء الحال من النكرةِ في الجملة. وفي هذه الآيةِ على ما اختاروه من كونِ " ليس له ولد " صفةً دليلٌ على الفصل بين النعت والمنعوت بالجملة المفسرة للمحذوف في باب الاشتغال، ونظيرُه: " إنْ رجلٌ قام عاقلٌ فأكرمْه " فـ " عاقل " صفةٌ لـ " رجل " فُصِل بينهما بـ " قام " المفسِّرٍ لـ " قام المفسَّر.

السابقالتالي
2 3