وقوله تعالى: { بِٱلْحَقِّ }: فيه وجهان، أحدُهما: أنه متعلق بمحذوفٍ، والباء للحال أي: جاءكم الرسولُ ملتبساً بالحق أو متكلماً به. والثاني: أنه متعلقٌ بنفس " جاءكم " أي: جاءكم بسببِ إقامةِ الحق. و " من ربكم " فيه وجهان، أحدُهما: أنه متعلقٌ بمحذوف على أنه حال أيضاً من " الحق " والثاني: أنه متلعقٌ بـ " جاء " أي: جاء من عند الله أي: أنه مبعوثٌ لا متقوِّل. قوله: { خَيْراً لَّكُمْ } في نصبه أربعة أوجه، أحدها - وهو مذهب الخليل وسيبويه - أنه منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ واجبِ الإِضمار تقديره: وأتوا خيراً لكم، لأنه لَمَّا أمرهم بالإِيمان / فهو يريدُ إخراجَهم من أمر وإدخالَهم فيما هو خيرٌ منه، ولم يذكر الزمخشري غيره قال: " وذلك أنه لمَّا بعثهَم على الإِيمان وعلى الانتهاءِ من التثليث علم أنه يَحْمِلُهم على أمر فقال: خيراً لكم، أي: اقصِدوا وأتوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثلث ". الثاني: - وهو مذهب الفراء- أنه نعت لمصدر محذوف أي: فآمنوا إيماناً خيراً لكم. وفيه نظر، من حيث أنه يُفْهِم أنَّ الإِيمان منقسم إلى خير وغيره، وإلاَّ لم يكنْ لتقييده بالصفةِ فائدةٌ، وقد يُقال: إنه قد يكون لا يقول بمفهوم الصفة، وأيضاً فإن الصفة قد تأتي للتأكيد وغيره ذلك. الثالث: - وهو مذهب الكسائي وأبي عبيد - أنه منصوبٌ على خبرِ " كان " المضمرةِ تقديرُه: يكنِ الإِيمانُ خيراً. وقد ردَّ بعضُهم هذا المذهب بأن " كان " لا تُحْذَف مع اسمها دونَ خبرها إلا فيما لا بد له منه، ويزيد ذلك ضعفاً أنَّ " يكن " المقدرةَ جوابُ شرط محذوف فيصير المحذوفَ الشرطُ وجوابُه، يعني أنَّ التقديرَ: إنْ تؤمنوا يكنِ الإِيمانُ خيراً، فَحَذفْتَ الشرطَ وهو " إنْ تؤمنوا " وجوابَه، وهو " يكن الإِيمان " ، وأبقيتَ معمولَ الجواب وهو " خيراً " وقد يقال: إنه لا يُحتاج إلى إضمار شرطٍ صناعي وإن كان المعنى عليه، لأنَّا نَدَّعي أن الجزم في " يكن " المقدرةِ إنما هو بنفس جملة الأمر التي قبله وهو وقوله: { فَآمِنُواْ } من غير تقدير حرفِ شرط ولا فعلٍ له، وهو الصحيح في الأجوبة الواقعة لأحد الأشياء السبعة، تقول: " قم أكرمْك " فـ " أكرمك " جواب مجزوم بنفس " قم " لتضمُّن هذا الطلبِ معنى الشرط من غير تقدير شرط صناعي. الرابع: - والظاهرُ فساده- أنه منصوبٌ على الحال، نقله مكي عن بعض الكوفيين، قال: " وهو بعيد " ونقله أبو البقاء أيضاً ولم يَعْزُه.