الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

قوله تعالى: { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ }: هذه الجملة الاستداركية لايبتدأ بها، فلا بد من جملة محذوفة، وتكون هذه الجملةُ مستدركة عنها، والجملة المحذوفة هي ما رُوي في سبب النزول أنه لَمَّا نَزَلَتْ:إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } [النساء: 163] قالوا: ما نشهد لك بهذا أبداً، فنزلت: { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } وقد أحسن الزمخشري هنا في تقدير جملةٍ غيرُ ما ذكرتُ، وهو: " فإنْ قلت: الاستدراكُ لا بُدَّ له من مستدرَك، فأين هو في قوله: { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ }؟ قلت: لَمَّا سأل أهلُ الكتاب إنزالَ الكتاب من المساء وتعنَّتوا بذلك، واحتجَّ عليهم بقوله: إنَّا أوحينا إليك " قال: " لكن اللَّهُ يشهد " بمعنى أنهم لا يشهدون لكن اللَّهُ يَشْهد ثم ذكر الوجهَ الأول.

وقرأ الجمهور بتخفيفِ " لكن " ورفعِ الجلالة. والسُّلمي والجراح الحكمي بتشديدها نصبِ الجلالة، وهما كالقراءتين في { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ } وقد تقدَّم حكمه. والجمهور على " أَنْزله " مبنياً للفاعل وهو الله تعالى، والحسن قرأه " أُنزل " مبنياً للمفعول، وقرأ السلمي " نَزَّله بعلمه " مشدداً. والباء في " بعلمه " للمصاحبة أي: ملتبساً بعلمه، فالجار والمجرور في محل نصب على الحال. وفي صاحبها وجهان، أحدهما: الهاءُ في " أنزله " والثاني: الفاعل في " أنزله " أي: أنزله عالماً به. و " الملائكةُ يشهدون " مبتدأ وخبر، يجوز أن تكونَ حالاً أيضاً من المفعول في " أنزله " أي: والملائكةُ يشهدون بصدقه، ويجوز ألاَّ يكونَ لها محل، وحكمه حينئذٍ كحكم الجملةِ الاستدراكية قبله. وقد تقدَّم الكلامُ على مثلِ قوله:َكَفَىٰ بِٱللَّهِ } [النساء: 6]، وعلى قوله:لِيَغْفِرَ لَهُمْ } [النساء: 168] وأن الفعل مع هذه اللامِ أبلغُ منه دونَها. والجمهور على " وصَدُّوا " مبنياً للفاعل، وقرأ عكرمة وابن هرمز: " وصُدُّوا " مبنياً للمفعول، وهما واضحتان، وقد قرئ بهما في المتواتر في قوله:وَصُدُّواْ } [الآية: 33] في الرعد،وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [الآية: 37] في غافر.