الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }

قوله تعالى: { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ }: جيء هنا بـ " لكن " لأنها بين نقيضين، وهما الكفارُ والمؤمنون. و " الراسخون " مبتدأ، وفي خبره احتمالان، أظهرُهما: أنه " يؤمنون " ، والثاني: أنه الجملة من قوله: " أولئك سنؤتيهم " و " في العلم " متعلقٌ بـ " الراسخون ". و " منهم " متعلق بمحذوفٍ لأنه حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في " الراسخون ". قوله: " المؤمنون " عطفٌ على " الراسخون " وفي خبره الوجهان المذكوران في خبر " الراسخون " ، ولكن إذا جَعَلْنا الخبرَ " أولئك سنُؤتيهم " فيكون / يؤمنون ما محلُّه؟ والذي يَظْهر أنه جملة اعتراض لأنَّ فيه تأكيداً وتسديداً للكلام، ويكون " يؤمنون " يعود على " الراسخون " و " المؤمنون " جميعاً، ويجوز أن تكون حالاً منهما، وحينئذ لا يُقال: إنها حال مؤكدة لتقدُّم عاملٍ مشاركٍ لها لفظاً؛ لأنَّ الإِيمانَ فيها مقيدٌ، والإِيمانُ الأولُ مطلقٌ، فصار فيها فائدةٌ لم تكن في عاملها، وقد يُقال: إنها مؤكدة بالنسبة لقوله: " يؤمنون " غيرُ مؤكدة بالنسبةِ لقولِه: " الراسخون ".

قوله: والمقيمين " قراءةُ الجمهورِ بالياء، وقرأ جماعة كثيرة " والمقيمون " بالواو منهم ابن جبير وأبو عمرو بن العلاء في رواية يونس وهارون عنه، ومالك بن دينار وعصمة عن الأعمش، وعمرو بن عبيد، والجحدري وعيسى بن عمر وخلائق. فأما قراءة الياء فقد اضطربت فيها اقوال النحاة، وفيها ستةُ أقوال، أظهرهما: وعزاه مكي لسيبويه، وأبو البقاء للبصريين - أنه منصوبٌ على القطع، يعني المفيدَ للمدح كما في قطع النعوت، وهذا القطعُ مفيدٌ لبيان فضل الصلاة فَكَثُر الكلامُ في الوصفِ بأن جُعِل في جملة أخرى، وكذلك القطعُ في قوله { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } على ما سيأتي هو لبيانِ فَضْلِها أيضاً، لكن على هذا الوجه يجب أن يكونَ الخبرُ قولَه: " يؤمنون " ولا يجوز أن يكون قوله { أُوْلَـۤئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ } لأن القطع إنما يكونَ بعد تمامِ الكلام. قال مكي: " ومَنْ جَعلَ نَصْبَ " المقيمين " على المدحِ جَعَلَ خبرَ " الراسخين ": " يؤمنون " ، فإنْ جَعَل الخبر " أولئك " سنؤتيهم " لم يجز نصب " المقيمين " على المدح، لأنه لا يكون إلا بعد تمام الكلام " وقال الشيخ: " ومَنْ جعل الخبرَ: أولئك سنؤتيهم فقوله ضعيفٌ " قلت: هذا غيرُ لازمٍ، لأنه هذا القائلَ لا يَجْعَلُ نصبَ " المقيمين " حينئذٍ منصوباً على القطع، لكنه ضعيفٌ بالنسبةِ إلى أنه ارتكبَ وجهاً ضعيفاً في تخريج " المقيمين " كما سيأتي. وحكى ابنُ عطية عن قومٍ مَنْعَ نصبه على القطع من أجلِ حرف العطف، والقطعُ لا يكونُ في العطف، إنما ذلك في النعوت، ولما استدلَّ الناسُ بقول الخرنق:

السابقالتالي
2 3