الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }

وقوله تعالى: { وَقَوْلِهِمْ }: عطفٌ على " وكفرهم " و " عيسى " بدلٌ من " المسيح " أو عطفُ بيان، وكذلك " ابن مريم " ويجوز أن يكونَ صفةً أيضاً، وأجاز أبو البقاء في " رسول الله " هذه الأوجهَ الثلاثةَ، إلا أنَّ البدل بالمشتقات قليل. وقد يُقال: إنَّ " رسول الله " جرى مَجْرى الجوامد / وأجازفيه أن يَنْتصب بإضمارِ " أعني " ، ولا حاجةَ إليه. قوله " شُبِّه لهم ": " شُبِّه " مبني للمفعول وفيه وجهان، أحدهما: أنه مسند للجار بعده كقولك: " حِيل إليه، ولُبس عليه ". والثاني: أنه مسندٌ لضمير المقتول الذي دَلَّ عليه قولهم: " إنَّا قتلْنا " أي: ولكن شُبِّه لهم مَنْ قتلوه. فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يعودَ على المسيح؟ فالجواب أن المسيح مشبه به لا مشبه.

[قوله]: " لفي شك منه ": " منه " في محلِّ جرٍ صفة لـ " شك " يتعلَّقُ بمحذوف، ولا يجوز أن تتعلَّق فَضْله بنفس " شك "؛ لأن الشك إنما يتعدَّى بـ " في " لا بـ " من " ، ولا يقال: إنَّ " مِنْ " بمعنى " في " فإن ذلك قولٌ مرجوح، ولا ضرورةَ لنا به هنا.

وقوله: { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } يجوز في " علم " وجهان، أحدهما: أنه مرفوع بالفاعلية والعاملُ أحد الجارَّيْن: إمّا " لهم " وإما " به " ، وإذا جُعِل أحدُهما رافعاً له تعلَّق الآخر بما تعلَّق به الرفع من الاستقرارِ المقدر. و " مِنْ " زائدةٌ لوجودِ شرطَي الزيادةِ. والوجه الثاني: أَن يكونَ " من علم " مبتدأ زِيدت فيه " من " أيضاً، وفي الخبر احتمالان، أحدُهما: أن يكونَ " لهم " فيكون " به ": إمَّا حالاً من الضمير المستكنّ في الخبر، والعاملُ فيها الاستقرارُ المقدر، وإمَّا حالاً من " عِلْم " وإنْ كان نكرةً لتقدُّمها عليه ولاعتمادِه على نفي. فإن قيل: يلزمُ تقدُّمُ حالِ المجرور بالحرف عليه وهو ضرورةٌ لا يجوزُ في سَعة الكلام. فالجوابُ أنَّا لا نُسَلِّم ذلك، بل نقل أبو البقاء وغيره أنَّ مذهب أكثر البصريين جوازُ ذلك، ولئِنْ سلَّمنا أنه لا يجوز إلا ضرورة لكن المجرور هنا مجرورٌ بحرف جر زائد، والزائد في حكم المُطَّرَح، وأمَّا أن يتعلَّق بمحذوفٍ على سبيل البيان أي: أعني به، ذكره أبو البقاء، ولا حاجةَ إليه، ولا يجوزُ أن يتعلقَ بنفس " علم " لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه. والاحتمال الثاني: أن يكون " به " هو الخبر، و " لهم " متعلق بالاستقرار كما تقدم، ويجوز أن تكون اللام مبيِّنة مخصصة كالتي في قوله:

السابقالتالي
2