الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }

قوله تعالى: { وَبِكُفْرِهِمْ }: فيه وجهان، أحدُهما: أنه معطوف على " ما " في قوله: { فَبِمَا نَقْضِهِمْ } فيكونُ متعلقاً بما تعلق به الأول. الثاني: أنه عطفٌ على " بكفرهم " الذي بعد " طبع " وقد أوضح الزمخشري ذلك غايةَ الإِيضاح، واعترض وأجابَ بأحسنِ جواب، فقال: " فإنْ قلت: علامَ عَطَفَ قولَه " وبكفرهم "؟ قلت: الوجهُ أن يُعْطَفَ على " فبما نقضِهم " ويُجْعَلَ قولُه: " { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } كلاماً يَتْبع قوله: { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } على وجهِ الاستطراد، ويجوز عطفُه على ما يله من قوله " بكفرِهم " فإنْ قلت: فما معنى المجيءِ بالكفر معطوفاً على ما فيه ذِكْرُه؟ سواءً عطف على ما قبل الإِضراب، أو على ما بعده، وهو قوله: { وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ } وقوله " بكفرهم " قلت: قد تكرر منهم الكفر؛ لأنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمدٍ، فعطف بعضَ كفرِهم على بعض، أو عَطَف مجموعَ المطعوفِ على مجموعِ المعطوف عليه، كأنه قيل: فبجمعهم بين نقضِ الميثاقِ، والكفر بآيات الله، وقتلِ الأنبياء، وقولِهم: قلوبنا غلف، وجمعِهم بين كفرهم وبُهْتِهِم مريمَ وافتخارِهم بقتل عيسى عاقبناهم، أو بل طبع الله عليها بكفرِهم وجمعِهم بين كفرهم كذا وكذا ".

قوله: { بُهْتَاناً } في نصبِه خمسةُ أوجه، أظهرُها: أنه مفعول به، فإنه مُضَمَّنٌ معنى " كلام " نحو: قلت خطبة وشعراً. الثاني: أنه منصوبٌ على نوع المصدر كقولهم: " قَعَد القرفصاء " يعني أن القول يكون بُهتاناً وغيرَ بهتان. الثالث: أن ينتصبَ نعتاً لمصدر محذوف أي: قولاً بُهتاناً، وهو قريبُ من معنى الأول الرابع: أنه منصوبٌ بفعل مقدرٍ من لفظه أي: بَهَتوا بُهْتاناً. الخامس: أنه حال من الضمير المجرور في قولهم أي: مباهتين، وجازَ مجيء الحال من المضاف إليه لأنه فاعل معنًى، والتقدير: وبأن قالوا ذلك مباهتين.