الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }

قوله تعالى: { وَٱللاَّتِي }: اللاتي: جمع " التي " في المعنى لا في اللفظ؛ لأنَّ هذه صيغٌ موضوعةٌ للتثنية والجمع، وليست بتثنية ولا جمع حقيقةً. وقال أبو البقاء: " اللاتي جمع " التي " على غير قياس، وقيل: هي صيغة موضوعة للجمع " ومثل هذا لا ينبغي أَنْ يَعُدَّه خلافاً. ولها جموعٌ كثيرة: ثلاثَ عشرةَ لفظة، وهي: اللاتي واللواتي واللائي، وبلا ياءات فهذه ست، واللاي بالياء من غيرِ همزٍ، واللا من غير ياءٍ ولا همزٍ، واللَّواء بالمد، واللَّوا بالقصر، و " الأُلى " كقوله:
1557ـ فأمَّا الأُلى يَسْكُنَّ غَوْرَ تهامةٍ     فكلُّ فتاةٍ تترُكُ الحِجْلَ أَفْصَما
إلا أنَّ الكثيرَ أن تكونَ جمْعَ " الذي ". و " اللاءاتِ " مكسوراً مطلقاً أو معرباً إعراب جمع المؤنث السالم كقوله:
1558ـ أولئك إخواني الذين عَرَفْتُهُمْ     وأخْدانُك اللاءاتُ زُيِّنَّ بالكَتَمْ
برفعِ " اللاءات ".

وفي محلِّ " اللاتي " قولان، أحدُهما: أنه رفعٌ بالابتداء، وفي الخبر حينئذٍ وجهان، أحدُها: الجملةُ مِنْ قوله: " فاسْتَشْهدوا " ، وجازَ دخولُ الفاءِ زائدةً في الخبرِ وإن لم يَجُزْ زيادتُها في نحو: " زيدٌ فاضرِبْ " على رأي الجمهور، لأنَّ المبتدأ أَشْبَهَ الشرطَ في كونِه موصولاً عاماً صلتُه فعلٌ مستقبل، والخبرُ مستحقٌ بالصلةِ.

الوجه الثاني: أنَّ الخبرَ محذوفٌ، والتقدير: " فيما يُتْلَىٰ عليكم حكُم اللاتي " ، فحُذفَ الخبرُ والمضافُ إلى المبتدأ للدلالة عليهما، وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه، وهذا نظيرُ ما فَعَله سيبويه في نحو:ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ } [النور: 2] وٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ } [المائدة: 38] أي: فيما يُتْلىٰ عليكم حكمُ الزاينة، ويكونُ قولُه " فاستشهِدوا " و " فاجْلدوا " دالاً على ذلك الحكم المحذوفِ لأنه بيانٌ له.

والقول الثاني: أنَّ محلَّه نصبٌ، وفيه وجهان، أحدُهما: أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ لدلالةِ السياقِ عليه لا على جهةِ الاشتغالِ لِما سنذكره، والتقدير: اقصِدوا اللاتي يأتين، أو تعمَّدوا. ولا يجوز أن ينتصَبَ بفعلٍ مضمرٍ يفسِّره قولُه " فاستشهدوا " فتكونُ المسألة من باب الاشتغال، لأنَّ هذا الموصولَ أشبهَ اسمَ الشرطِ كما تقدَّم تقريره، واسمُ الشرطِ لا يجوزُ أَنْ ينتصِبَ على الاشتغالِ لأنه لا يعمل فيه ما قبله، فلو نصبناه بفعلٍ مقدرٍ لزم أن يعملَ فيه ما قبلَه. هذا ما قاله بعضهم، ويَقْرُبُ منه ما قاله أبو البقاء فإنه قال: " وإذا كان كذلك ـ أي كونَه في حكم الشرط ـ لم يَحْسُنِ النصبُ؛ لأنَّ تقديرَ الفعل قبل أداةِ الشرط لا يجوز، وتقديرُه بعد الصلةِ يحتاج إلى إضمارِ فعلٍ غيرِ قوله " فاستشهدوا " لأنَّ " استشهدوا " لا يَصِحُّ أن يعمل النصب في " اللاتي " وفي عبارِته مناقشةٌ يطول بذكرها الكتاب.

السابقالتالي
2