الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }

قوله تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ } قرأ الجماعة: " نُزِّل " مبنياً للمفعول، وعاصم / قرأه مبنياً للفاعل، وأبو حيوة وحميد " نَزَل " مخففاً مبنياً للفاعل، والنخعي " أُنْزِل " بالهمزة مبنياً للمفعول. والقائمُ مقامَ الفاعلِ في قراءةِ الجماعة والنخعي هو " أَنْ " وما في حَيِّزها أي: وقد نَزَّل عليكم المنعَ من مجالستهم عند سماعِكم الكفرَ بالآيات والاستهزاءَ بها. وأمّا في قراءةِ عاصم فـ " أَنْ " مع ما بعدها في محل نصب مفعولاً به بـ " نزَّل " والفاعل ضميرُ الله تعالى كما تقدم. وأما في قراءة أبي حيوة وحميد فمحلُّها رفع بالفاعلية لـ " نزل " مخففاً، فمحلها: إمّا نصب على قراءة عاصم أو رفع على قراءة غيره، ولكن الرفع مختلف. و " أن " هذه هي المخففةُ من الثقيلة، واسمها ضمير الأمر والشأن، أي: أنَّ الأمر والشأن إذا سمعتم الكفر والاستهزاء فلا تقعدوا. قال الشيخ " وما قَدَّره أبو البقاء من قوله: " أنكم إذا سمعتم " ليس بجيد، لأن " أن " المخففة لا تعمل إلاَّ في ضمير الشأن، إلا في ضرورة كقوله:
1662- فلو أَنْكِ في يومِ الرخاءِ سَأَلْتِني   طلاقَك لم أبخَلْ وأنتِ صديقُ
هكذا قال، ولم أَرَه أنا في إعراب أبي البقاء إلا أنه بالهاء دون الكاف والميم. والجملةُ الشرطية المنعقدةُ من " إذا " وجوابها في محل رفع خبراً لـ " أَنْ " ومن مجيء الجملة الشرطية خبراً لـ " أنْ " المخففة قوله:
1663- فعلمْتُ أَنْ ما تَتَّقُوه فإنه   جَزْرٌ لِخامعةٍ وفَرْخِ عقابِ
فـ " ما " شرطيةٌ و " فإنه " جوابُها، والجملةُ خبرٌ لـ " أن " المخففةِ.

قوله: { يُكَفَرُ بِهَا } في محلِّ نصبٍ على الحال من الآيات، و " بها " في محلِّ رفعٍ لقيامِه مقامَ الفاعلِ، وكذلك في قولِه { وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } والأصل: يَكفر بها أحدٌ، فلمَّا حُذِف الفاعلُ قام الجارُّ والجرورُ مقامه، ولذلك رُوعي هذا الفاعلُ المحذوف، فعاد عليه الضميرُ من قوله " معهم " " حتى يخوضوا " كأنه قيل: إذا سمعتم آياتِ الله يَكْفُر بها المشركون ويستهزئ بها المنافقون فلا تَقْعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيرِه أي: غيرِ حديث الكفر والاستهزاء، فعاد الضمير في " غيره " على ما دلَ عليه المعنى. وقيل: الضمير في " غيره " يجوزُ أَنْ يعود على الكفر والاستهزاء المفهومَيْن من قوله " يكفر بها " و " يستهزأ بها " وإنما أفرد الضمير وإن كان المراد به شيئين لأحد أمرين: إمَّا لأنَّ الكفرَ والاستهزاء شيءٌ واحدٌ في المعنى، وإمَّا لإِجراءِ الضميرِ مُجْرى اسمِ الإشارةِ نحو:

السابقالتالي
2