قوله تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ } قرأ الجماعة: " نُزِّل " مبنياً للمفعول، وعاصم / قرأه مبنياً للفاعل، وأبو حيوة وحميد " نَزَل " مخففاً مبنياً للفاعل، والنخعي " أُنْزِل " بالهمزة مبنياً للمفعول. والقائمُ مقامَ الفاعلِ في قراءةِ الجماعة والنخعي هو " أَنْ " وما في حَيِّزها أي: وقد نَزَّل عليكم المنعَ من مجالستهم عند سماعِكم الكفرَ بالآيات والاستهزاءَ بها. وأمّا في قراءةِ عاصم فـ " أَنْ " مع ما بعدها في محل نصب مفعولاً به بـ " نزَّل " والفاعل ضميرُ الله تعالى كما تقدم. وأما في قراءة أبي حيوة وحميد فمحلُّها رفع بالفاعلية لـ " نزل " مخففاً، فمحلها: إمّا نصب على قراءة عاصم أو رفع على قراءة غيره، ولكن الرفع مختلف. و " أن " هذه هي المخففةُ من الثقيلة، واسمها ضمير الأمر والشأن، أي: أنَّ الأمر والشأن إذا سمعتم الكفر والاستهزاء فلا تقعدوا. قال الشيخ " وما قَدَّره أبو البقاء من قوله: " أنكم إذا سمعتم " ليس بجيد، لأن " أن " المخففة لا تعمل إلاَّ في ضمير الشأن، إلا في ضرورة كقوله:
1662- فلو أَنْكِ في يومِ الرخاءِ سَأَلْتِني
طلاقَك لم أبخَلْ وأنتِ صديقُ
هكذا قال، ولم أَرَه أنا في إعراب أبي البقاء إلا أنه بالهاء دون الكاف والميم. والجملةُ الشرطية المنعقدةُ من " إذا " وجوابها في محل رفع خبراً لـ " أَنْ " ومن مجيء الجملة الشرطية خبراً لـ " أنْ " المخففة قوله:
1663- فعلمْتُ أَنْ ما تَتَّقُوه فإنه
جَزْرٌ لِخامعةٍ وفَرْخِ عقابِ
فـ " ما " شرطيةٌ و " فإنه " جوابُها، والجملةُ خبرٌ لـ " أن " المخففةِ. قوله: { يُكَفَرُ بِهَا } في محلِّ نصبٍ على الحال من الآيات، و " بها " في محلِّ رفعٍ لقيامِه مقامَ الفاعلِ، وكذلك في قولِه { وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } والأصل: يَكفر بها أحدٌ، فلمَّا حُذِف الفاعلُ قام الجارُّ والجرورُ مقامه، ولذلك رُوعي هذا الفاعلُ المحذوف، فعاد عليه الضميرُ من قوله " معهم " " حتى يخوضوا " كأنه قيل: إذا سمعتم آياتِ الله يَكْفُر بها المشركون ويستهزئ بها المنافقون فلا تَقْعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيرِه أي: غيرِ حديث الكفر والاستهزاء، فعاد الضمير في " غيره " على ما دلَ عليه المعنى. وقيل: الضمير في " غيره " يجوزُ أَنْ يعود على الكفر والاستهزاء المفهومَيْن من قوله " يكفر بها " و " يستهزأ بها " وإنما أفرد الضمير وإن كان المراد به شيئين لأحد أمرين: إمَّا لأنَّ الكفرَ والاستهزاء شيءٌ واحدٌ في المعنى، وإمَّا لإِجراءِ الضميرِ مُجْرى اسمِ الإشارةِ نحو: