قوله تعالى: { شُهَدَآءِ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه خبر ثان لـ " كان " وهذا فيه خلافٌ قد مَرَّ ذكره. والثاني: أنه حال من الضمير المستكن في " قَوَّامين " فالعاملُ فيها " قَوَّامين " وقد رَدَّالشيخ هذا الوجهَ بأنه يلزمُ منه تقييدُ كونِهم قوامين بحال الشهادة، وهم مأمورون بذلك مطلقاً، وهذا الردُّ ليس بشيء، فإن هذا المعنى نحا إليه ابن عباس قال - رضي الله عنه -: " كونوا قَوَّامين بالعدلِ في الشهادة على مَنْ كانَتْ " وهذا هو معنى الوجهِ الصائرِ إلى جَعْلِ " شهداء " حالاً. قوله: { وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } " لو " هذه تحتمل أَنْ تكونَ على بابها من كونِها حرفاً لما كان سيقعُ لوقوعِ غيرِه وجوابُها محذوفٌ أي: ولو كنتم شهداءَ على أنفسكم لوجب عليكم أن تَشْهدوا عليها. وأجاز الشيخ أن تكونَ بمعنى " إن " الشرطية،ويتعلَّقُ قولُه " على أنفسكم " بمحذوفٍ تقديرُه: وإن كنتم شهداء على أنفسكم فكونوا شهداء لله، هذا تقديرُ الكلام، وحَذْفُ " كان " بعد " لو " كثير، تقول: ائتِني بتمر ولو حَشَفاً " أي: وإن كان التمر حشفاً فأتني به ". انتهى وهذا لا ضرورةَ تدعو إليه، ومجيءُ " لو " بمعنى " إنْ " شيءْ أثبته بعضُهم على قلة فلا ينبغي أَنْ يُحْمَلَ القرآنُ عليه. وقال ابن عطية: " على أنفسكم " متعلِّقٌ بـ " شهداء " قال الشيخ " فإنْ عنى بـ " شهداء " الملفوظَ به فلا يَصِحُّ، وإنْ عَنَى به ما قَدَّرْناه نحن فيصِحُّ " يعني تقديرَه " لو " بمعنى " إنْ " وحَذْفَ " كان " واسمِها وخبرِها بعد " لو " وقد تقدَّم أن ذلك قليلٌ، فلم يبق إلا أن ابن عطيةَ يريد " شهداء " محذوفةً كما قَدَّرْتُه لك أولاً نحو: " ولم كنتم شهداء " على أنفسكم لوجَبَ عليكم أن تشهدوا. وقال الزمخشري: " ولو كانَتِ الشهادةُ على أنفسكم " فَجَعَل " كان " مقدرةً، وهي تحتملُ في تقديرِه التمام والنقصان: فإنْ قَدَّرْتَها تامةً كان قولُه " على أنفسكم " / متعلقاً بنفسِ الشهادة، ويكون المعنى: " ولو وُجِدَتِ الشهادةُ على أنفسكم، وإنْ قَدَّرْتَها ناقصةً فيجوزُ أَنْ يكونَ " على أنفسكم " متعلقاً بمحذوفٍ على أنه خبرها، ويجوز أن يكونَ متعلقاً بنفس الشهادة، وحينئذ يكون الخبر مقدراً، والمعنى: " ولو كانَتِ الشهادةُ على أنفسِكم موجودةً، إلا أنه يلزمُ مِنْ جَعْلِنا " على أنفسكم " متعلقاً بالشهادة حَذْفُ المصدرِ وأبقاءُ معمولِه وهو قليلٌ أو ممتنع. وقال أيضاً: " ويجوز أن يكون المعنى: " وإن كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم " ورَدَّ عليه الشيخ هذين الوجهين فقال: " وتقديرُه: ولو كانت الشهادة على أنفسكم ليس بجيد؛ لأن المحذوف إنما يكون مِنْ جنسِ الملفوظِ به ليدلَّ عليه، فإذا قلت: " كن محسناً ولو لمَنْ أساء إليك " فالتقدير: ولو كنت محسناً لمَنْ أساء، ولو قَدَّرْته " ولو كان إحسانك " لم يكن جيداً لأنك تحذف ما لا دلالةَ عليه بلفظٍ مطابقٍ " وهذا الردُّ ليس بشيء، فإن الدلالة اللفظية موجودةٌ لاشتراكِ المحذوفِ والملفوظِ به في المادة، ولا يَضُرُّ اختلافُهما في النوع.