الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً }

قوله تعالى: { بِآخَرِينَ }: آخرين صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ مِنْ جنسِ ما تقدَّمه تقديرُه: بناسٍ آخرين يعبدون الله، ويجوز أن يكونَ المحذوفُ من غير جنس ما تقدَّمه. قال ابن عطية: " يحتمل أن يكون وعيداً لجميع بني آدم، ويكونُ الآخرون من غير نوعهم، كا رُوي أنه كان ملائكةٌ في الأرض يعبدون الله. وقال الزمخشري: " أو خلقاً آخرين غيرَ الإِنس " وكذلك قال غيرهما. وقد رَدَّ الشيخ هذا الوجه بأنَّ مدلولَ آخر وأخرى وتثنيتَهما وجمعَهما نحو مدلول " غير " إلا أنه خاصُّ بجنسِ ما تقدَّمه، فإذا قلت: " اشتريت فرساً وآخرَ، أو: ثوباً وآخر، أو: جارية وأخرى، أو: جاريتين وأُخْريين، أو جواري وأُخَرَ " لم يكن ذلك كلُه إلا من جنس ما تقدم، حتى لو عنيت " وحماراً آخر " في الامثلة السابقة لم يَجُزْ، وهذا بخلافِ " غير " فإنَّها تكون من جنسِ ما تقدَّم ومِنْ غيرِه، تقول " اشتريت ثوباً وغيره " لو عنيت: " وفرساً غيره " جاز. قال: " وقَلَّ مَنْ يعرف هذا الفرق " وهذا الفرقُ الذي ذكره وَردَّ به على هؤلاء الأكابرِ غيرُ موافَقٍ عليه، لم يستند فيه إلى نَقْل، ولكن قد يُرَدُّ عليهم ذلك من طريق أخرى، وهو أن " آخرين " صفةٌ لموصوف محذوف، والصفةُ لا تقوم مقامَ موصوفِها إلا إذا كانت خاصةً بالموصوف نحو: " مررت بكاتبٍ " أو يدل عليه دليل، وهنا ليست بخاصةٍ، فلا بد وأن تكونَ من جنسِ الأولِ لتحصُلَ بذلك الدلالةُ على الموصوفِ المحذوفِ.