الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

قوله تعالى: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ }: " امرأةٌ " فاعلٌ بفعلٍ مضمرٍ واجبِ الإِضمار، وهذه من باب الاشتغال، ولا يجوزُ رفعُها بالابتداء لأنَّ أداةَ الشرطِ لا يليها إلا الفعلُ عند جمهور البصريين خلافاً للأخفش والكوفيين، والتقديرُ: " وإنْ خافت امرأة خافت " ونحوهُ:وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ } [التوبة: 6]. واستدلَّ البصريون على مذهبهم بأن الفعل قد جاء مجزوماً بعد الاسم الواقع أداة الشرط في قول عدي:
1661- ومتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو   هُ وتُعْطَفْ عليه كأسُ الساقي
و { مِنْ بعلها } يجوزُ أن يتلعَّق بـ " خافت " وهو الظاهر، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " نُشوزاً " إذ هو الأصل صفةُ نكرةٍ فلمَّا قُدِّم عليها تعذَّر جَعْلُه صفةً فنُصِب حالاً. و " فلا " جوابُ الشرط.

قوله: { أَن يُصْلِحَا } قرأ الكوفيون: / " يُصْلِحا " من أصلح، وباقي السبعة " يَصَّالحا " بتشديد الصاد بعدها ألف، وقرأ عثمان البتي والجحدري: " يَصَّلِحا " بتشديد الصاد من غير ألف، وعبيدة السلماني: " يُصالِحا " بضمِّ الياءِ وتخفيفِ الصادِ وبعدَها ألفٌ من المفاعلة، وابن مسعود والأعمش: " أن اصَّالحا " فأمّا قراءةُ الكوفيين فواضحةٌ، وقراءةُ باقي السبعة أصلُهَا " يتصالحا " فأُريد الإِدغام تخفيفاً فَأُبْدِلت التاءُ صاداً وأُدْغِمت، وأمَّا قراءةُ عثمان فأصلُها: " يَصْطَلِحا " فَخُفِّفَ بإبدالِ الطاء المبدلةِ من تاءِ الافتعال صاداً وإدغامهما فيما بعدها. وقال أبو البقاء: " وأصلُه:: " يَصْتَلِحا " فأُبْدِلت التاء صاداً وأُدْغِمت فيها الأولى " وهذا ليس بجيدٍ، لأنَّ تاءً الافتعال يجبُ قَلْبُها طاءً بعد الأحرف الأربعة كما تقدَّم تحقيقُه في البقرة، فلا حاجة إلى تقديرها تاءً، لأنه لو لُفِظ بالفعلِ مظهراً لم يُلْفظ فيه بالتاء إلا بياناً لأصلِهِ. وأمَّا قراءةُ عبيدة فواضحةٌ لأنها من المصالحة. وأما قراءة " يصطلحا " فأوضحُ. ولم يُخْتلف في " صُلْحاً " مع اختلافِهم في فعلِه.

وفي نصبِه أوجهٌ: فإنه على قراءة الكوفيين يَحْتمل أن يكونَ مصدراً، وناصبُه: إمَّا الفعلُ المتقدمُ وهو مصدرٌ على حذف الزوائد، وبعضُهم يعبِّر عنه بأنه اسمُ مصدرٍ كالعطاءِ والنبات، وإمَّا فعلٌ مقدرٌ أي: فيُصْلِحُ حالهما صلحاً. وفي المفعولِ على هذين التقديرين وجهان، أحدُهما: أنه " بينهما " اتُسِّع في الظرف فجُعِل مفعولاً به. والثاني: أنه محذوف " وبينهما " ظرفٌ أوحالٌ مِنْ " صلحا " فإنه صفةٌ له في الأصل. ويُحْتمل أن يكونَ نصبُ " صلحاً " على المفعول به إن جعلته اسماً للشيء المصطلح عليه كالعَطاء بمعنى المُعْطى، والنبات بمعنى المُنْبَت. وأمَّا على بقيةِ القراءات فيجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً على أحدِ التقديرين المتقدمين: أعني كونَه اسمَ المصدرِ، أو كونَه على حَذْفِ الزوائد، فيكون واقعاً موقعَ " تصالحا أو اصطلاحاً أو مصالحةً " حَسْبَ القراءات المتقدمة، ويجوزُ أَنْ يكون منصوباً على إسقاطِ حرفِ الجرِ أي: بصلح أي بشيء يقعُ بسببِ المصالحة، إذا جَعَلْناه اسماً للشيء المصطلح عليه.

السابقالتالي
2