قوله تعالى: { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ }: في هذه الهاءِ أقوالٌ، أحدها: أنها تعود على " إثماً " ، والمتعاطفان بـ " أو ": يجوز أن يعودَ الضمير على المعطوف كهذه الآية، وعلى المعطوف عليه كقوله{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [الجمعة: 11]. والثاني: أنها تعودُ على الكَسْب المدلول عليه بالفعلِ نحو:{ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 8]. الثالث: أنها تعود على أحد المذكورين الدالِّ عليه العطفُ بـ " أو " فإنه في قوة " ثم يَرْمِ بأحد المذكورين ". الرابع: أنَّ في الكلام حذفاً، والأصل: " ومَنْ يكسِبْ خطيئة ثم يرم بها، وهذا كما قيل في قوله:{ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا } [التوبة: 34] أي: يكنزون الذَهب ولا ينفقونه. و " أو " هنا لتفصيلِ المُبْهَمِ، وتقدَّم له نظائرُ. وقرأ معاذ بن جبل: " يَكِسِّبْ " بكسر الكاف وتشديد السين، وأصلها: يَكْتَسِبْ فأدغمت تاءُ الافتعال في السينِ وكُسِرت الكافُ إتباعاً، وهذا شبيه بـ{ يَخْطَفُ } [البقرة: 20]، وقد تقدَّم توجيهُه في البقرةِ. والزهري: " خَطِيَّة " بالتشديد وهو قياسُ تخفيفِها. قوله: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ } في جواب " لولا " وجهان، أظهرهما: أنه مذكورٌ وهو قولُه: " لَهَمَّتْ " والثاني: أنه محذوفٌ أي: لأضلُّوك، ثم استأنف جملةً فقال: " لَهَمَّتْ " أي: لقد هَمَّتْ. قال أبو البقاء في هذا الوجه: " ومثلُ حذفِ الجوابِ هنا حَذْفُه في قوله:{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [النور: 10] وكأنَّ الذي قَدَّر الجوابَ محذوفاً استشكل كونَ قولِه " لهمَّتْ جواباً لأنَّ اللفظَ يقتضي انتفاءَ هَمِّهم بذلك، والغرضُ أنَّ الواقع كونُهم هَمُّوا على ما يُروى في القصة فلذك قَدَّره محذوفاً، والذي جعله مثبتاً أجابَ عن ذلك بأحدِ وجهين: إمَّا بتخصيص الهَمِّ أي: لَهَمَّتْ هَمَّاً يؤثِّر عندك، وإمَّا بتخصيص الإِضلال أي: يضلونك عن دينِك وشريعتِك، وكلا هذهين الهمَّيْنِ لم يقع. و " اَنْ يُضِلُّونك " على حذف الباء أي: بأن يُضِلُّوك، ففي محلِّها الخلافُ المشهور، و " مِنْ " في " من شيء " زائدةٌ، و " شيء " يراد به المصدرُ أي: وما يَضُرُّونك ضرراً قليلاً ولا كثيراً.