الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

قوله تعالى: { مِّن نَّفْسٍ }: متعلق بـ " خَلَقكم " فهو في محل نصب. و " مِنْ " لابتداء الغاية. وكذلك " منها زوجَها " ، و " بَثَّ منهما ". وابن أبي عبلة: " واحدٍ " من غير تاء، وله وجهان، أحدهما: مراعاةُ المعنى، لأن المراد بالنفس آدم عليه السلام. والثاني: أن النفسَ تُذَكَّر وتؤنث، وعليه:
1524ـ ثلاثةُ أنفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ     ..........................
قوله: " وخَلَقَ " فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه عطفٌ على معنى " واحدة " لِما فيه من معنى الفعل كأنه قيل: " مِنْ نفسٍ وَحُدتْ " أي انفردت، يُقال: " وَحُد، يَحِد، وَحْداً وحِدَة " ، بمعنى انفرد. الثاني: أنه عطفٌ على محذوف، قال الزمخشري: " كأنه قيل: من نفسٍ واحدةٍ أنشأها ـ أو ابتدأها ـ وخلق منها وإنما حُذِف لدلالة المعنى عليه، والمعنى: شَعَبَكم من نفس واحدة هذه صفتُها " بصفةٍ هي بيانٌ وتفصيلٌ لكيفيةِ خَلْقهِم منها. وإنما حَمَلَ الزمخشري والقائلَ الذي قبله على ذلك مراعاةُ الترتيبِ الوجودي؛ لأنَّ خَلْقَ حواء، وهي المُعَبَّرُ عنها بالزوجِ ، قبل خلقنا، ولا حاجة إلى ذلك، لأنَّ الواو لا تقتضي ترتيباً على الصحيح.

الثالث: أنه عطفٌ على " خَلَقَكم " فهو داخلٌ في حَيِّز الصلةِ، والواوُ لا يُبالى بها، إذ لا تقتضي ترتيباً. إلا أن الزمخشري خَصَّ هذه الوجهَ بكونِ الخطابِ في { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } لمعاصري الرسول عليه السلام فإنه قال: " والثاني: أن يُعْطَفَ على " خلقكم " ويكون الخطابُ للذين بُعِث إليهم الرسول، والمعنى: خَلَقكم من نفس آدم، لأنَّهم مِنْ جملةِ الجنسِ المفرَّعِ منه، وخَلَقَ منها أُمَّكم حواء ". فظاهرُ هذا خصوصيَّةُ الوجهِ الثاني بكون الخطابِ للمعاصرين، وفيه نَظَرٌ. وقَدَّر بعضُهم مضافاً في " منها " أي: " مِنْ جنسِها زوجَها " ، وهذا عند مَنْ يرى أن حواء لم تُخْلق من آدم، وإنما خُلِقت من طينة فَضَلَتْ من طينة آدم، وهذا قولٌ مرغوب عنه.

وقرىء: " وخالِقٌ وباثٌّ " بلفظِ اسمِ الفاعل. وخَرَّجه الزمخشري على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: وهو خالقٌ وباثٌّ. يقال: بَثَّ وأَبَثَّ بمعنى " فَرَّق " ثلاثياً ورباعياً.

وقوله: { كَثِيراً } فيه وجهان، أظهرُهما: أنه نعتٌ لـ " رجالاً " قال أبو البقاء: " ولم يؤنِّثْه حَمْلاً على المعنى، لأنَّ " رجالاً " عدد أو جنس أو جمع، كما ذكَّر الفعلَ المسندَ إلى جماعة المؤنث كقوله:وَقَالَ نِسْوَةٌ } [يوسف: 30].

والثاني: أنه نعت لمصدر تقديره: وبث منهما بَثّاً كثيراً. وقد تقدم أن مذهب سيبويه في مثله النصبُ على الحال. فإن قيل: لِم خَصَّ الرجالَ بوصفِ الكثرة دون النساء؟ ففيه جوابان، أحدُهما: أنه حَذَفَ صفتَهنْ لدلالةِ ما قبلها عليها [أي]: ونساءً كثيرة.

السابقالتالي
2 3