قوله: { مُنِيباً }: حالٌ مِن فاعل " دَعَا " و " إليه " متعلق بـ " مُنيباً " أي راجِعاً إليه. قوله: " خَوَّله " يُقال: خَوَّلَه نِعْمَةً أي: أعطاها إياه ابتداءً مِنْ غيرِ مُقْتَضٍ. ولا يُسْتَعْمَلُ في الجزاءِ بل في ابتداءِ العَطِيَّةِ. قال زهير:
3888 ـ هنالِك إنْ يُسْتَخْوَلُوا المالُ يُخْوِلُوْا
........................
ويُرْوَى " يُسْتَخْبَلُوا المالَ يُخْبِلوا ". وقال أبو النجم:
3889 ـ أَعْطَى فلم يُبْخَلْ ولم يُبَخَّلِ
كُوْمُ الذُّرَى مِنْ خَوَلِ المُخَوَّلِ
وحقيقةُ " خَوَّل " مِنْ أحدِ معنيين: إمَّا مِنْ قولِهم: " هو خائلُ مالٍ " إذا كان متعهِّداً له حَسَنَ القيام عليه، وإمَّا مِنْ خال يَخُول إذا اختال وافتخر، ومنه قولُه: " إنَّ الغنيَّ طويلُ الذيلِ مَيَّاسُ " ، وقد تقدَّم اشتقاقُ هذه المادةِ مُسْتوفىً في الأنعام. قوله: " منه " يجوز أَنْ يكونَ متعلقاً بـ " خَوَّل " ، وأنْ يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ " نِعْمة ". قوله: { مَا كَانَ يَدْعُوۤ } يجوزُ في " ما " هذه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ تكونَ موصولةً بمعنى الذي، مُراداً بها الضُّرُّ أي: نسي الضرَّ الذي يَدْعو إلى كَشْفِه. الثاني: أنها بمعنى الذي/ مُراداً بها الباري تعالى أي: نَسِي اللَّهَ الذي كان يَتَضرَّعُ إليه. وهذا عند مَنْ يُجيزُ " ما " على أُوْلي العلمِ. الثالث: أَنْ تكونَ " ما " مصدريةً أي: نَسِي كونَه داعياً. الرابع: أن تكونَ " ما " نافيةً، وعلى هذا فالكلامُ تامٌّ على قولِه: " نَسِيَ " ثم استأنَفَ إخباراً بجملةٍ منفيةٍ، والتقدير: نَسِيَ ما كان فيه. لم يكنْ دعاءُ هذا الكافرِ خالصاً لله تعالى. و " من قبلُ " أي: من قبلِ الضررِ، على القول الأخير، وأمَّا على الأقوالِ قبلَه فالتقديرُ: مِنْ قبل تخويلِ النِّعمة. قوله: " لِيُضِلَّ " قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمروٍ " لِيَضِلَّ " بفتح الياء أي: ليفعلَ الضلالَ بنفسه. والباقون بضمِّها أي: لم يقنع بضلالِه في نفسِه حتى يَحْمِلَ غيرَه عليه، فمفعولُه محذوفٌ وله نظائرُ تقدَّمَتْ. واللامُ يجوزُ أن تكونَ للعلةِ، وأن تكونَ للعاقبة.