الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }

قوله: { أَنِ ٱمْشُواْ }: يجوزُ أَنْ تكونَ " أنْ " مصدريةً أي: انطلقوا بقولِهم: أن امْشُوا وأَنْ تكونَ مفسِّرةً: إمَّا لـ انطلق لأنه ضُمِّنَ معنى القول. قال الزمخشريُّ: " لأنَّ المنطلقين عن مجلس التقاوُلِ/ لا بُدَّ لهم أَنْ يتكلموا ويتفاوضوا فيما جَرَى لهم ". انتهى. وقيل: بل هي مفسِّرةٌ لجملةٍ محذوفةٍ في محلِّ حالٍ تقديرُه: وانطلقوا يتحاورون أن امْشُوا. ويجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً معمولةً لهذا المقدرِ. وقيل: الانطلاقُ هنا الاندفاعُ في القولِ والكلامِ نحو: انطلق لسانُه، فأَنْ مفسرةٌ له من غير تضمينٍ ولا حَذْفٍ. والمَشْيُ: الظاهر أنه هو المتعارَفُ. وقيل: بل هو دعاءٌ بكثرة الماشيةِ، وهذا فاسِدٌ لفظاً ومعنى. أمَّا اللفظُ فلأنَّه إنما يقال من هذا المعنى " أَمْشَى الرجلُ " إذا كَثُرَتْ ماشيَتُه بالألفِ أي: صار ذا ماشيةٍ، فكان ينبغي على هذا أَنْ يقرأَ " أَمْشُوا " بقطع الهمزةِ مفتوحةً. وأمَّا المعنى فليس مراداً البتةَ، وأيُّ معنى على ذلك!!

إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ ذكر وجهاً صحيحاً من حيث الصناعةُ وأقربُ معنًى ممَّا تقدَّم، فقال: " ويجوزُ أنَّهم قالوا: امشُوا أي: اكثروا واجتمعوا، مِنْ مَشَتِ المرأةُ: إذا كَثُرَتْ وِلادتها، ومنه الماشيةُ للتفاؤل ". انتهى. وإذا وُقِفَ على " أنْ " وابْتُدِئ بما بعدَها فليُبْتَدَأْ بكسرِ الهمزةِ لا بضمِّها لأنَّ الثالثَ مكسورٌ تقديراً إذ الأصل: امْشِيُوا ثم أُعِلَّ بالحَذْفِ. وهذا كما يُبْتدأ بضم الهمزةِ في قولك " اغْزِي يا امرأةُ ". وإنْ كانت الزايُ مكسورةً لأنَّها مضمومةٌ في الأصل إذ الأصل: اغْزُوِي كاخْرُجي فأُعِلَّ بالحذفِ.