الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ }

قوله: { كَمْ أَهْلَكْنَا }: " كم " مفعولُ " أهلَكْنا " ، و " مِنْ قَرْنٍ " تمييزٌ، و " مِنْ قبلِهم " لابتداء الغاية.

قوله: " ولات حين " هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ فاعل " نادَوْا " أي: استغاثوا، والحالُ أنه لا مَهْرَبَ ولا مَنْجى.

وقرأ العامَّةُ " لاتَ " بفتح التاء و " حينَ " بالنصبِ، وفيها أوجهٌ، أحدها: - وهو مذهبُ سيبويه - أنَّ " لا " نافيةٌ بمعنى ليس، والتاءُ مزيدةٌ فيها كزيادتِها في رُبَّ وثَمَّ، ولا تعملُ إلاَّ في الأزمان خاصةً نحو: لاتَ حينَ، ولات أوان، كقوله:
3830 ـ طلبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ   فَأَجَبْنا أنْ ليسَ حينَ بقاءِ
وقول الآخر:
3831 ـ نَدِمَ البُغاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَمِ   والبَغيُ مَرْتَعٌ مُبْتَغِيْه وخيمُ
والأكثرُ حينئذٍ حَذْفُ مرفوعِها تقديرُه: ولات الحينُ حينَ مناصٍ. وقد يُحْذَفُ المنصوبُ ويبقى المرفوعُ. وقد قرأ هنا بذلك بعضُهم كقوله:
3832 ـ مَنْ صَدَّ عَنْ نيرانِها   فأنا ابنُ قَيْسٍ لا بَراحُ
أي: لا براحٌ لي. ولا تعملُ في غيرِ الأحيان على المشهور، وقد تُمُسِّك بإعمالها في غير الأحيان بقولِه:
3833 ـ حَنَّتْ نَوارُ ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ   وبدا الذي كانَتْ نَوارُ أجَنَّتِ
فإنَّ " هَنَّا " مِنْ ظروفِ الأمكنةِ. وفيه شذوذٌ مِنْ ثلاثةِ أوجهٍ، أحدها: عَمَلُها في اسمِ الإِشارةِ وهو معرفةٌ ولا تعملُ إلاَّ في النكراتِ. الثاني: كونُه لا يَتَصَرَّفُ. الثالث: كونُه غيرَ زمانٍ. وقد رَدَّ بعضُهم هذا بأنَّ " هَنَّا " قد خرجَتْ عن المكانية واسْتُعْمِلت في الزمان، كقولِه تعالى:هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [الأحزاب: 11] وقولِ الشاعر:
3834 ـ............................   فهناك يَعْتَرفون أين المَفْزَعُ
كما تقدم في سورة الأحزاب؛ إلاَّ أنَّ الشذوذَيْن الآخرَيْن باقيان. وتأوَّل بعضُهم البيتَ أيضاً بتأويلٍ آخرَ: وهو أَنَّ " لاتَ " هنا مهملةٌ لا عملَ لها و " هَنَّا " ظرفٌ خبرٌ مقدمٌ/ و " حَنَّتِ " مبتدأ بتأويلِ حَذْفِ " أنْ " المصدرية تقديرُه: أنْ حَنَّتْ نحو " تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ مِنْ أَنْ تَراه ". وفي هذا تكلُّفٌ وبُعْدٌ. إلاَّ أنَّ فيه الاستراحةَ من الشذوذاتِ المذكورات أو الشذوذَيْن.

وفي الوقفِ عليها مذهبان: المشهورُ عند العربِ وجماهيرِ القراءِ السبعةِ بالتاءِ المجبورةِ إتْباعاً لمرسومِ الخطِّ الشريفِ. والكسائيُّ وحدَه من السبعةِ بالهاء. والأولُ مذهبُ الخليلِ وسيبويه والزجاج والفراء وابن كَيْسان، والثاني مذهبُ المبرد. وأغرب أبو عبيد فقال: الوقفُ على " لا " والتاءُ متصلةٌ بـ " حين " فيقولون: قُمْتُ تحينَ قمتَ، وتحينَ كان كذا فعلتُ كذا. وقال: " رأيتها في الإِمام كذا: " ولا تحين " متصلة. وأنْشَدَ على ذلك أيضاً قولَ الشاعر:
3835 ـ العاطفونَ تحينَ ما مِنْ عاطِفٍ   والمُطْعِمون زمانَ لا من مُطْعِمِ

السابقالتالي
2 3 4 5