الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ }

قوله: { إِذْ دَخَلُواْ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه بدل مِنْ " إذ " الأولى. الثاني: أنَّه منصوبٌ بـ " تَسَوَّرُوا " ومعنى تَسَوَّروا: عَلَوْا/ أعلى السُّورِ، وهو الحائطُ، غيرُ مهموزٍ كقولك: تَسَنَّم البعيرَ أَي: بَلَغَ سَنامَه. والضميرُ في " تَسَوَّروا " و " دخلوا " راجعٌ على الخصم لأنه جمعٌ في المعنى على ما تقدَّم، أو على أنَّه مثنى، والمثنى جمعٌ في المعنى، وقد مضى الخلافُ في هذا محققاً.

قوله: " خَصْمان " خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: نحن خَصْمان؛ ولذلك جاء بقولِه: " بَعْضُنا ". ومَنْ قرأ " بعضهم " بالغَيْبة يُجَوِّز أن يُقَدِّرَه كذلك، ويكون قد راعى لفظَ " خَصْمان " ، ويُجَوِّزُ أنْ يُقَدِّرَ هم خصمان ليتطابَقَ. ورُوِي عن الكسائي " خِصْمان " بكسر الخاء. وقد تقدَّم أنه قرأها كذلك في الحج.

قوله: " بَغَى بَعْضُنا " جملةٌ يجوزُ أَنْ تكون مُفَسِّرَةً لحالِهم، وأن تكونَ خبراً ثانياً.

قوله: " ولا تُشْطِطْ " العامَّةُ على ضَمِّ التاء وسكونِ الشينِ وكسرِ الطاءِ الأولى مِنْ أشْطَطَ يُشْطِطُ إشْطاطاً إذا تجاوز الحقَّ. قال أبو عبيدة: " شَطَطْتُ في الحُكْمِ؛ وأَشْطَطْتُ فيه، إذا جُرْتُ " فهو ممَّا اتفق فيه فَعَل وأَفْعَل، وإنما فَكَّه على أحدِ الجائزَيْن كقولِه: " مَنْ يَرْتَدِدْ " وقد تقدَّم تحقيقُه. وقرأ الحسن وأبو رجاء وابنُ أبي عبلة " تَشْطُط " بفتح التاءِ وضَمِّ الطاءِ مِنْ شَطَّ بمعنى أشَطَّ كما تقدَّم. وقرأ قتادة " تُشِطَّ " مِنْ أشطَّ رباعياً، إلاَّ أنه أدغم وهو أحد الجائزَيْن كقراءة مَنْ قرأ { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ } ، وعنه أيضاً " تُشَطِّطْ " بفتح الشين وكسرِ الطاءِ مُشَدَّدةً شَطَّطَ يُشَطِّطُ. والتثقيلُ فيه للتكثيرِ. وقرأ زر بن حبيش " تُشاطِطْ " من المفاعلة.